تحدث كثيرون خلال رمضان الفائت عن نجوم الصف الأول، ولربما كتبت مقالاتٌ مطوّلة حول الأمر، لكن قلما شاهدنا مقالاتٍ –إلا فيما ندر- تتحدث عن ممثلي الصف الثاني أو نجوم الصف الثاني كما أحب أن أسميّهم. فهؤلاء ليسوا “سنيدة” للبطل كما يعتقد كثيرون (خصوصاً المخرجون، الكتّاب، والأبطال أنفسهم)، فمدرسة البطل “السنّيد” قد أضحت موضة قديمة في كثير ٍمن الأماكن، فلماذا لا تنتهي في بلادنا؟ خذ عندك مثلاً بيومي فؤاد، أو سيد رجب، أومحمد لطفي هل يمكن اعتبار هؤلاء “سنّيدة”؟ تستطيع الأسماء الواردة أعلاه كلّها أن تكون في بطولة أي عمل (وأثبت فؤاد ورجب أنهم يمكنهم بسهولة القيام بذلك والنجاح منقطع النظير أيضاً).
لبنانياً يحصل الأمر عينه، فهل يمكن اعتبار سولانج تراك، أويس مخلالاتي، عبدو شاهين ممثلين “صف ثاني” أو “سنيدة”؟ كلا لا يمكن ذلك، لأنه في أدوارهم التي أدّوها كانوا متألقين لدرجة أنّ الجمهور تعاطف معهم وأحبّهم بمستوى حبّه للبطل نفسه أو أكثر حتّى. يأتي عبدو شاهين مثلاً من أفضل من أدى في دور “شاهين” ابن عم البطل “جبل” (الممثل السوري تيم حسن) في مسلسل “الهيبة”. حقق المسلسل نجاحاً كبيراً محلياً، ولربما اعتبر من أهم مسلسلات هذا العام، لكن ما لم يشر إليه كثيرون هو أنًّ وجود فغالي أعطى المسلسل “شرعية” نظراً لاتقانة لهجة المنطقة (المحكي عنها في المسلسل) أضف إلى أن بنيته الجسدية قدّمت ما هو مطلوب وأكثر للشخصية.
نفس الأمر ينسحب على إحدى نجمات هذا الموسم الرمضاني ونعني بها سولانج تراك، تراك الآتية من عالم المسرح، حيث تألقت مع المخرج والمؤلف المسرحي المعروف جو قديح مسرحية “علاقات خطرة”، قدّمت شخصية الزوجة التي تتعرض للخيانة من قبل زوجها غسان (وديع أبو شقرا). الشخصية التي رسمت لسولانج كانت محدودةً للغاية، لكن الموهبة التي تملكها جعلها “قادرةً” على إقناع الجميع بأنه وحتى ولو “رسمت الشخصية لها بأنها سبب خيانة زوجها” فهي قادرة على عكس الموقف.
هنا النقاش الأهم في عالم الدراما: كيف يستطيع ممثل أن يقنعك بأن هذه الشخصية هي “هو” فعلاً، وليس مجرد تمثيل؛ أي في غياب الفاصل الهش بين الدور والشخصية الحقيقية؛ حتى إنها كتبت على صفحتها على مواقع التواصل الإجتماعي في متنتصف الشهر الكريم ما مفاده: “إنني لست الشخصية التي أمثلها في هذا المسلسل، أنا متزوجة وأعيش حياةً سعيدة مع زوجي”. هنا يمكن رؤية كم أتقنت تراك الشخصية بحيث غاب عن الجمهور نهائياً أنها ليست “الزوجة النكدة” التي يجب على زوجها تركها، بل حتى إن كثيراتٍ تعاطفن معها واعتبرن أنه لايجب لزوجها أن يتركها، وبأنها مظلومة، على الرغم من أن “طبيعة النص في المسلسل” تظهرها إلى حدٍ كبير بلا موجبات تعاطف. ماذا عن الممثل قليل الكلام أويس مخلالاتي –أيضاً من مسلسل الهيبة- مخلالاتي المتجهم الوجه ذو الملامح القاسية أدى برفعةٍ شخصية شقيق البطل مما أضفى نوعاً من “القسوة” الجميلة على البطل في حد ذاته، ذلك أنَّ وجود شخصيات تدعم البطل بهذا الشكل تجعله أكثر صدقية لدى الجمهور.
مصرياً بدا الجميل وليد فوّاز كعادته، واحداً من أهم الممثلين التصاعديين في جيله، الممثل الذي تألق العام الفائت في الطبال، وبدا مساوياً لنجم العمل أمير كرارة إلى حدٍ كبير، لم يكن أقل من آسر ياسين أو باسل خياط بطلي عمل 30 يوم. الدور لم يكن كبيراً أو حتى مركزياً، لكن الشخصية كانت تملئ المكان تماماً. هو كذلك بدا مقنعاً كثيراً في شخصية “المعلم شعبان” في طاقة نور، هي ليست شخصيته المعتادة لربما، لكنه أيضاً أعطى الكثير فيها. نفس الأمر ينسحب على شخصية قد لايكون كثيرون قد تنبّهوا لها في مسسلسل “رمضان كريم” نظراً لامتلاء المسلسل بالنجوم، كان كريم عفيفي (تذكروا الإسم جيداً) متألقاً في شخصية إبن البلد “المبرشم” لدرجة أنك لايمكنك فصله عن أي شاب عادي من الشارع يمكن أن تراه، بدت شخصية عفيفي حقيقية للدرجة التي تجعلك تشك بأنه ممثل أو حتى يؤدي دوراً. كان عفيفي حقيقياً إلى هذا الحد. من نفس المسلسل ماذا عن القديرة سلوى عثمان أو سميتها القادمة من عالم المسرح سلوى محمد علي؟؟ هل يمكن اعتبارهما هن الأخريات “سنيدات”؟ تستطيع سلوى(كلتاهما) ليس التأدية بطولةً فحسب، بل يمكنهما أن “تأكلا” الجو بأكمله.
وبالتأكيد للحديث صلة.