هبة محمد على
من السهل جدا أن نظل نتندر طوال الوقت بعلاقة العداء بين الزوجة وأخت الزوج، وأن نستدعى من الموروث الشعبى ما يثبت ذلك، فقديما قالوا (مركب الضراير سارت ومركب السلايف وقفت واحتارت) وهم من قالوا أيضا ( دق القرفة ولا صباح السلفة) لكن كل ما قالوه وتندروا به يتحطم أمام دموع ليلى.
ليلى هى زوجة ياسر حجازى، الأخ الأصغر لصفاء، قابلتها فى حفل تأبين الراحلة الذى أقيم الجمعة الماضية بمبنى الإذاعة والتلفزيون.
ووسط زحام المحبين، واستمرارهم فى ذكر فضائل صفاء، وذكرياتهم معها التى لا تنتهى رغم انتهاء حفل التأبين لمحتها جالسة فى صمت، وكأنها قررت أن تستدعى صفاء التى تسكن بداخلها، لتنفصل بها عن واقع مزدحم، فذكرياتها معها أصدق، ودموعها طوال حديثى معها خير دليل على ذلك.
تقول ليلى، عرفت صفاء قبل زواجى من ياسر بسنوات، وكنت أسعد كثيرا برؤيتها صدفة فى الشارع، حيث كانت وقتها تعمل كمذيعة بالتلفزيون، وكانت فخرا لبنات طلخا اللاتى شاهدن فيها وفى نجاحها أنفسهن.
أما علاقتى الحقيقية بصفاء فقد بدأت بعد الزواج، فهى أختى التى اخترتها، ووجدت فى قربى منها كل التفاهم والراحة، لذلك قالوا أن معزة الأخت التى يختارها الإنسان بنفسه أكبر بكثير من معزة الأخت التى يختارها له القدر.
صفاء كان لها من اسمها نصيب، لذلك كانت صفية النفس والقلب، لم تتعمد يوما إيذاء أى شخص، هكذا تقول ليلى التى تكمل، لم تقل لى أى كلمة تجرحنى عندما تأخر حملى لسنوات طوال، أما خبر الحمل الأول فقد سعدت به سعادة غامرة، لكن أكثر ما كان يشغلها وقت الحمل هو صحتى واهتمامى بنفسى، فقد كانت تحبنى من قلبها، فأحببتها من قلب قلبى، وأحبها صغيرى اللذان لايزالان يسألانى عنها حتى اليوم، فقد كانت حتى قبل وعكتها الصحية الأخيرة تبيت وسطيهما عند حضورها لزيارتنا التى كانت أهم ما يميزها (قعدات البلكونة) بينى وبينها، نأكل فيها اللب ونتحدث طويلا، لكنى أشهد أنه مهما طال الحديث لم تقدم صفاء يوما على ذكر أحد بسوء.
أما عن حياة صفاء فى بيتها فتقول، كانت ست بيت من طراز رفيع، وطباخة ماهرة، ولايزال مذاق طعام العزومة التى أعدتها لنا فى رمضان قبل عامين فى فمى، وكانت تحب جدا خضار البلد الطازج.
فى مرضها الأخير طلبت منى أن أرسل لها مع ياسر الجبنة الرومى التى تفضلها، ولا أعرف مالذى جعلنى أنسى وضعها، واتصل بى ياسر بعد وصوله ليوبخنى على النسيان، فسمعت صوتها خافتا ومنهكا (ما تزعقلهاش أنا أصلا مش عايزة رومى.. ماتزعقلهاش يا ياسر)
صفاء كانت قوية ولا تهاب المرض، ولديها استعداد على مواجهة أى شئ والانتصار عليه، أذكر قبل وفاتها بفترة قصيرة أننى داعبتها قائلة اجمدى واتمسكى بالدنيا وخليكى كده زى ماما حياة “والدتها التى عاشت لسن التسعين” فأجابتنى بإن ماحدش بيعيش أكثر من عمره، وقتها فقط عرفت أن صفاء استسلمت، وأنه آن للمحارب أن يستريح قريبا جدا، وقد كان.