مأمون المليجي: الإنصاف بعد الموت أحيانًا!!



نقلًا عن “المصري اليوم”

 
حضرت قبل أيام سهرة حب للفنان السكندرى مأمون المليجى دعت إليها الفنانة عزة بلبع وزوجها على المليجى، لا أخجل أن أعترف لكم بأنى حتى قراءتى لخبر الرحيل لم أكن أعرف شيئا عن المليجى لا أغانيه ولا مشواره، ولا حتى اسمه، استمعت إليه وشاهدته وهو يغنى على (اليوتيوب)، سألت نفسى كيف تموت موهبة فى هذا الزمن، ولا نردد اسمه إلا يوم رحيله، ثم إن توصيفه بالسكندرى وضعه فى مساحة جغرافية، بينما الفن لا يعترف حتى بحدود الوطن، صرنا نشير للفنان بدون تحديد مصرى أم لبنانى أم مغربى.
 
لماذا لم يستطع أن يقفز للجماهيرية؟.. نعم تعددت المنافذ التى يستطيع أن يُطل منها الفنان على الجمهور مهما حاولوا التعتيم، فى الماضى كانت الدولة تملك الماء والهواء وهى ببساطة تغلق المحبس لو أرادت، أما الآن فلن تستطيع. الدولة مثلا لم تسمح للشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم بالتواجد، حتى يوسف شاهين لم يستطع أن يضع اسميهما على (تترات) فيلمه (العصفور)، نجم وإمام مدينان للكاسيت فكان هو الوسيلة الموازية للانتشار، وانطلقا خارج الحدود. ومن تلك الزاوية ولكن بتوجه آخر نقول أيضا إن أحمد عدوية الذى بدأ رحلته فى نهاية الستينيات ولم يعترف به الإعلام الرسمى استطاع بالكاسيت أن يُخرج لسانه للدولة.
 
طبعا عدوية الذى ينظر إليه اليوم باعتباره عنوانا للفن الشعبى الأصيل، كان يعتبر وقتها عنوانا للقبح، الذوق العام ليس له معيار ثابت ولكنه يتغير مع الزمن.
 
اليوم تعددت المنافذ، فلماذا لم تبرق أغنيات المليجى، هل تم التعتيم عليه مثل حمزة نمرة الذى واجه فى مرحلة ما وربما لا يزال إقصاء رسميا، إلا أنه فى نهاية الأمر تواجد، لعله فارق الشخصية، المليجى مثلا تركيبة منغلقة يخجل من تسويق نفسه، من خلال قراءتى لمسيرته أجد أنه لم يكن دؤوبا بما يكفى، أيضا ظهر فى مرحلة متقدمة من العمر بعد أن وصل لمشارف الخمسين. لدينا مثلا فؤاد عبدالمجيد صاحب الموشحات الشهيرة مثل (عجبا لغزال قتال عجبا)، وكان يكتبها ويلحنها، بزغ نجمه مع فرقة رضا، والمطرب الراحل عمر فتحى ساهم فى ذيوع اسمه بعد أن تخطى الخمسين، كان ظاهرة فى منتصف الثمانينيات. المليجى أغنياته لا تحمل نقلة نوعية مثل اختيار قالب مهجور، وهو الموشح، فاستطاع عبدالمجيد أن يسرق الآذان، بهذا القالب الذى وجدوا فيه شيئا من الغموض المحبب.
 
أنا أحاول أن افكر معكم ليس لدى إجابة شافية، يقينى أن الله يخلق المواهب لكى لا تموت وسرها معها، ولكن لتملأ حياتنا نورا، مأمون سجل أغانيه التى لحنها أيضا وصارت تحمل اسمه، هل يأتى يوم لنكتشفها؟ لم يكن صوتا جاذبا ولا متفردا، يذكرنى بإسماعيل شبانة، الشقيق الأكبر لعبدالحليم الذى كان صوتا بلا(كاريزما)، رغم أن الكبار أمثال رياض السنباطى كانوا يعتقدون أنه الصوت الأجدر بالنجاح، تظل درجة (الكاريزما) وليس عدد (الأوكتافات) الصوتية هى الفيصل. ستعيش الألحان التى قدمها مأمون المليجى هذا هو إحساسى، لن يستطع صوته الاستمرار، ولكن النغم قادر على التنفس مع الزمن، سيتجدد بأصوات أخرى تحقق له الانتشار، وساعتها سيعيد الناس اكتشافه كفنان ظلمناه حيا، ربما نعيد إليه الاعتبار ميتا، ربما!!.