فاتن الوكيل
في المحن والأزمات، نحاول دائما بطريقتنا المعتادة في جلد الذات، تخيل سيناريوهات مختلفة، نتدارك بها هول المواقف التي نمر بها حاليا في مصر، خاصة مع استمرار موجة الإرهاب الذي يضع استهداف رجال الجيش والشرطة، ضمن أهم أهدافه. من بين هذه السيناريوهات التي يمكن أن نعتبرها نتاج “الصدمة”، هو الجدل الذي أثير عبر مواقع السوشيال ميديا، عقب الهجوم الإرهابي الذي وقع في البدرشين صباح أمس الجمعة، بعد تربص ثلاثة إرهابيين بـ”بوكس” شرطة خلال عبوره من أحد المطبات الصناعية بطريق سقارة، وأسفر الهجوم عن استشهاد 5 من رجال الشرطة.
الجدل تلخص في صدمة العديد من المتابعين للحادث، مما وصفوه بـ”ندالة” الأهالي، وعدم إقدامهم على الفتك بهؤلاء الإرهابيين، واعتبار ذلك التصرف، لا مبالاة بشهداء الشرطة. هذا الأمر يمكن بالفعل أن يخطر ببالك من مشاهدة اللقطات التي تم تداولها عقب الحادث مباشرة، والتي التقطتها كاميرات مراقبة محطة البنزين التي وقع الحادث بجانبها، خاصة وأن النذالة أمر صادم وغير متوقع من شعب يُشاهد حظر التجول، ويلتف حول القنابل أثناء تفكيكها، لكن مع الوقت وهدوء التفكير، سنجد أن ما شاهدناه ليس الصورة الكاملة للحادث، بل وأن تصرف الأهالي طبيعي إلى حد كبير، ولا يحتاج أبدا إلى الشعور بخيبة الأمل، أو اتهام الأهالي بالسلبية أو الجبن.
الكاتب الصحفي محمد الباز، عرض خلال تقديمه حلقة الجمعة من برنامج “90 دقيقة” المذاع على قناة “المحور”، فيديوهات جديدة، أذيعت لأول مرة، أظهرت زوايا أخرى من العملية الإرهابية، يمكنها أن تجعل من يتهم الأهالي بـ”الندالة” يتراجع عن موقفه.
عرض “الباز” فيديو ظهر خلاله، الرائد عمر رسلان رئيس مباحث سقارة، وهو يحاول التصدي للإرهابيين، عن طريق طلقات “طبنجته” التي للأسف لم تسعف الشهداء أو توقع بالإرهابيين، لكنها كانت كفيلة بالإسراع في هروب الإرهابيين، وعدم تمكنهم من استكمال عملية سرقة سيارة الشرطة، وإحراق جثث الشهداء. هذا الفيديو الذي عرضه “90 دقيقة” أكد أن المشهد لم يمر مرور الكرام على المحيطين بالحادث، حتى وإن كان التدخل جاء من جانب ضابط شرطة، من واجبه التدخل.
في نفس الحلقة، قام حسام فتحي، صاحب البنزينة التي وقع بجوارها الحادث، بمداخلة هاتفية مع البرنامج، كشف من خلالها عن دور بالتأكيد سيكون الأهم للأجهزة الأمنية خلال الأيام المقبلة، حيث أكد أن كاميرات المراقبة التقطت الحادث بأكمله، بل إن العناصر الإرهابية، ظهرت في تسجيل الكاميرات، قبل الحادث بيوم كامل.
اتضح من حديث صاحب البنزينة أيضا أن الأهالي سعت في البحث عن “أصل وفصل” هؤلاء الإرهابيين، بالسؤال عنهم لدى العديد من الأشخاص في المنطقة، حتى الصيادين، الذين تعرفوا عليهم بالفعل، وهو ما سيفيد الأمن قريبا. إذا وبقليل من “الواقعية”، هناك أدوار أخرى يمكن أن يقوم بها الأهالي، فإذا لم يتمكنوا من إيقاف العملية الإرهابية، فيمكنهم أن يكونوا سببا في استرجاع حق الشهداء والقبض على الإرهابيين.
وبخلاف ذلك، ففي تحليل بسيط لسلوك الأهالي من الواقعة، نجد أن هناك عدة عوامل جعلتهم لا يتدخلون في المشهد. أولًا، عنصر المفاجأة، فكما شاهدنا، الحياة تسير بهدوء تام، والجميع في طريقه، ثم فجأة يطلق إرهابيون طلقات نارية، الأمر بأكمله لم يتعد بضع ثوان، وهو ما يمكنه أن يشل تفكير أي مواطن “سلمي” لم يتلق تدريبا عسكريا يجعله يتعامل مع ما يحدث باحترافية.
ثانيا، كما وجدنا على السوشيال ميديا من يهاجم أهالي عُزّل لا حول لهم ولا قوة، ويتهمهم بالسلبية، نجد هذه المرة الرد عليهم يأتي من تقرير سابق لـ”مركز الأمن ومكافحة الإرهاب البريطاني”، ومن المعروف أن بريطانيا تشهد هي أيضا العديد من العمليات الإرهابية، من بينها استهداف رجال الشرطة. التقرير ينصح المواطنين في حال تواجدهم بمكان يشهد عملية إرهابية بثلاث نصائح هم “الجري” والابتعاد عن موقع الحادث، و”الاختباء” والاحتماء من رصاص الإرهابيين، و”الاتصال” والتواصل مع الشرطة أو الإسعاف ولكن من دون لفت نظر الإرهابيين.
ثالثا، تصادف أن حادثا إرهابيا آخر وقع في نفس اليوم، وهو هجوم أحد الأشخاص على السائحين في الغردقة، وقتل سائحتين وإصابة 4 آخرين، فمن الصور والشهادات التي تداولت بعدها، نجد أن من قبض في البداية على هذا الإرهابي، هم العاملون في الفندق، ثم تم تسليمه إلى الشرطة. أفراد أمن الفندق والمتواجدون تعاملوا أيضا بعنف مع المتهم، وتظهر عليه آثار الدماء، ثم تم جره في عربة أشبه بالقفص.
نفهم من ذلك، أن أهالي البدرشين في الفيديو تصرفوا بطريقة طبيعية، تعبر عن الصدمة والفزع، وعدم توقع أو تصديق ما يحدث، وفي أي دولة يتم نُصح المواطنين بالابتعاد عن أماكن الهجمات الإرهابية، وليس إلقاء اللوم عليهم في الإعلام، وكأن من واجب المواطن الأعزل أن يحمي الشرطي المسلح، وأن يدخل في اشتباك مسلح غير متكافئ، لن يُجدي نفعا لا للشرطي ولا للمواطن، ولكن على الجانب الآخر، نجد أن المصريين ليسوا سلبيين بطبيعتهم، وحادث الغردقة دليل على ذلك.