محمد خان، الذي رحل “قبل زحمة الصيف” في 26 يوليو من العام الماضي، يُعد مُخرجًا استثنائيًا، فهو صاحب “السينما الواقعية”، وكانت تجمعه علاقة حب وترابط شديد بالكاميرا، وساهم في نجاح بعض الفنانين من خلال أعماله المُتميزة، ووضع المُشاهد في حيرة، بسبب أفلامه التي وصفها البعض بالتمرد على الحياة السينمائية التقليدية التي ظهرت في فترة السبعينيات من القرن الماضي.
حياة “خان” شهدت مراحل عديدة ومختلفة، بداية من طفولته حتى لحظاته الأخيرة، كان لبعضها دورًا خاصًا في حياته، لذلك تأثر معها إيجابيًا، سواء كانت مُتعلقة بالحياة الشخصية أو الفنية، وساهمت في وجود اسمه بين أفضل المُخرجين الذين شهدتهم السينما المصرية.
يرصد “إعلام دوت أورج” في هذا التقرير، أبرز المحطات التي شكلّت حياة “خان” السينمائية، منذ طفولته وحتى الرحيل، وهم كالآتي:
1- طفولة مُتمردة
“خان” في طفولته، كان يحلم دومًا أن يُصبح مُهندسًا معماريًا، لا يهوي مجالًا آخر دون غير ذلك، لكنه تقرّب من عالم السينما، عن غير قصد، ولم يتخيل يومًا أن يكون واحدًا من صُنّاع هذا المجال، فكان المنزل الذي يقطن فيه بـ”أرض شريف” الواقع بين العتبة وباب الخلق، مُجاورًا لدور عرض سينمائي، وكانت هناك مساحة كافية لرؤية المقاعد من شرفة المنزل، دون رؤية شاشة العرض، لذلك كان يُشاهد الفيلم فور طرحه داخل السينما، بينما كان حريصًا على الاستماع للأفلام باهتمامٍ شديد باقي الأيام، فضلًا عن اهتمامه بجمع إعلانات الأفلام في الصحف، وشراء مجموعات صور الأفلام.
تنازل عن حلمه، من داخل انجلترا واستطاع تغيير مسار حياته العملية، بأريحية شديدة، أعقاب عام 1956، وذلك عندما التقى بشاب سويسري يدرس السينما في مدرسة الفنون هناك، الأمر الذي دفع “خان” لترك كلية الهندسة والالتحاق بمدرسة التقنيات السينمائية في لندن عامي 1962 و1963، والمعروفة حاليًا بالمدرسة الدولية للسينما.
عمل بعدها في الشركة العامة للإنتاج السينمائي، في قسم قراءة السيناريو تحت رئاسة صلاح أبوسيف، براتب عشرين جنيهًا شهريًا، لكن تقدّم باستقالته بعد عام واحد، وانتقل إلى بيروت عام 1964، ليعمل مساعد مُخرج، وشارك في أفلام “الليالي الحلوة” إخراج جمال فارس، و”الرهينة” إخراج يوسف معلوف، و”إنتربول في بيروت” إخراج كوستانوف، و”مغامرات فلفلة” إخراج فاروق عجرمة.
2- القاهرة
حصل “خان” على الجنسية المصرية، بقرارٍ جمهوري في مارس 2014، رغم تقديمه لعدد كبير من الأفلام التي تُبرز عشقه الشديد للقاهرة، واهتمامه بالتفاصيل الصغيرة، ولم يشعر أحدًا أن هذا المُخرج الذي يعكس حياتهم في أعماله، غير مصري.
محمد خان، الذي حمل الجنسية المصرية قبل وفاته بعامين، لم يشعر أنه غير مصري، حيث إنه لم يواجه بسببها سوى مشاكل تقليدية مثل سداد مصروفات أبناءه المدرسية بالعملة الأجنبية والإجراءات الخاصة المُتعلقة بتجديد جواز السفر ورخصة القيادة، فقد نشأ المُخرج في حي “غمرة” بالقاهرة، وتلقى تعليمه في مدارس حكومية.
رغم سعادة “خان” بحصوله على الجنسية، رسميًا، إلا أنه اعتبرها “تحصيل حاصل”، حيث يعتبر إن هذا الإجراء تأخر طويلًا، ولم يشعر يومًا أن حصوله على الجنسية من عدمه، قد تؤثر على حبه للشوارع المصرية، واصفًا هذا الإجراء برد الاعتبار له.
يقول المُخرج في حوارٍ تليفزيوني له: “الجنسية عبارة عن استفتاء شعبي، وإحساسي للانتماء بيجي من حب الناس لي، وأعتبر نفسي واحد من الناس لم أشعر باختلاف عنهم، وأفلامي التي تبرز التفاصيل الصغيرة هي سبب حصولي على الجنسية المصرية”.
منذ فترة الثمانينيات تقريبًا، وعلى فترات متعاقبة، عايره البعض بأن غير مصري، وتلقى اتهامات بإساة سُمعة مصر، ومساهمته في ترويج القبح، والتحريض على الحقد الطبقي، من خلال أعماله، لاسيما بعد عرض أفلام “الحريف”، و”زوجة رجل مهم” و”أحلام هند وكامليا”.
لم يخضع “خان” لهذه الإساءات، ولم يمنح لأحد الفرصة لتخوينه، ولم تتأثر علاقته بحبه لمصر، حيث واصل تناول التفاصيل الصغيرة التي تتمتع بها الناس والشوارع، وقال في مقالٍ له: “القاهرة مدينة لا تعرف النوم وتدعوك ألا تنام معها، وكل ما يدور فيها أصبح إلهاماً للسينما التي أطمح إلى تقديمها”.
3- نادية شكري
ارتبط “خان” في أعماله بأسماء كثيرة، بينهم المونتيرة نادية شكري، التي قامت بمراحل مونتاج جميع أفلامه، بداية من فيلم “ضربة شمس” للفنان نور الشريف، حيث كان لها دورًا كبيرًا في حياة “خان” الفنية، والذي كاد أن يودع هذا المجال في بداية حياته ويتجه لتأسيس مشروعٍ آخر.
عام 1966، سافر “خان” إلى لندن، وبعد مرور شهور قليلة، أُصيب بحالة من اليأس، والتي كانت “نكسة 1967” سببًا كبيرًا في ذلك، فقرر التنازل عن حلمه الفني، وتأسيس مشروع مطعم “فول وفلافل” في حي “بايزووتر” بالعاصمة البريطانية، واقترح على صديقه صلاح أبو سيف، أن يُشاركه في هذا المطعم، الذي بدأ في مراحل تجهيزه بالفعل، حيث إنه قرر تسمية المشروع الجديد بـ”الأسطى حسن”.
لكن المونتيرة نادية شكري، وقعت في طريقه هناك بالصدفة، ونجحت في إقناعه بوقف هذا المشروع والعودة للمجال مُجددًا، وبالفعل عاد إلى القاهرة، بقصة كان قد كتبها في لندن، تحت عنوان “ضربة شمس”، لتكون هذه القصة التي تحولت إلى فيلم، نقطة البداية في رحلة “خان” الفنية، برفقة نادية شكري، التي لم تنقطع.
قال “خان” عن نادية: “أنا محظوظ بها، لأنها تسمعني جيدًا، ولأنها حساسة وتترجم كل ما أريد بميكانيكية المونتاج الذي لا أعرفها، وهي محظوظة لأنها وجدت نفسها في مجال جديد وسينما ذات شكل جديد وحققت نفسها”
4- “أفلام الصحبة”
قد يخضع بعض الشباب في بداية حياتهم العملية، إلى أي تجربة مهما كانت مدى جودتها، وقد يعتبرونها أنها مجرد وسيلة للشروع في الاتجاه الصحيح فيما بعد، إلا أن “خان” في بداية حياته الفنية، وبالتحديد عام 1966 سافر إلى بيروت، وعمل مُساعد مُخرج في عدة أفلام، لكن بعد عامين قرر أن يترك هذه المدينة والانتقال إلى لندن، ويرجع هذا القرار، إلى رؤيته تجاه هذه الأفلام الذي وصفها بالفارغة من أي أحلام.
“خان” كان مهمومًا بمواجهة “الإسفاف” السينمائي من خلال صناعة أفلام ذات مستوى جيد، لذلك قرر الاستعانة بأصدقاءه المقربين الذين تربطهم علاقة تفاهم، لتأسيس جماعة سينمائية تحت عنوان “جماعة أفلام الصحبة”، التي كانت تضم بشير الديك، وسعيد شيمي، ونادية شكري، وعاطف الطيب، وخيري بشارة وداود عبد السيد.
عندما شنت إيناس الدغيدي هجومًا عنيفًا على أصدقاءه، لم يتردد لحظة في الرد عليها، حيث كتب في مقال طويل مُدافعًا عنهم: “إذا اعتبرنا أن جيلى صنع أفلامًا لم تنجح تجاريًا فكيف استمررنا من فيلم إلى آخر، وكيف استمررنا نتعامل مع السوق بنجوم مرحلته ومنتجيه؟ وإذا بحثنا عن أفلام هذا الجيل التى اكتسحت السوق بنجاحها التجارى والفنى لوجدنا “سواق الأتوبيس” لعاطف الطيب، و”كابوريا” و”آيس كريم فى جليم” لخيرى بشارة، و”الكيت كات” لداود عبد السيد، و”سيداتى سادتى” لرأفت الميهى، ومعذرة لاضطرارى لذكر بعض من أعمالى: “موعد على العشاء”، و”زوجة رجل مهم” و”أحلام هند وكاميليا”.