نقلًا عن المصري اليوم
معتز نادي
(1)
في إحدى ليالي الستينيات من القرن الماضي، وقت الاحتفال بذكرى ثورة 23 يوليو 1952، وقفت أم كلثوم على المسرح بالساعات تعيد وتزيد في مقاطع معدودة من أغانيها الطويلة التي يمكن اختصارها في وقتنا الحالي لنحو 7 دقائق على أقصى تقدير دون مط أو تطويل مع الهتاف إعجابًا: «عظمة على عظمة يا ست».
من وراء كواليس المسرح الذي يستضيف في صفوف مقاعده الأولى الرئيس الراحل، جمال عبدالناصر، وقف شاب نحيل يكاد يندب حظه لأن الحفل أصبحت تقترب ساعاته من الفجر، وعليه أن يغني وهو لا يضمن بقاء الجمهور للتصفيق لأغانيه بعد «الست»، فاختار البدء بجملة يحير فيها مستمعيه بالبحث عن إجابة لتساؤله بشأن الغناء في هذا الوقت المتأخر من الليل باعتبار تلك الخطوة «مقلب أم شرف؟» بعد تسلم الميكروفون من كوكب الشرق.
رمى العندليب الأسمر عبدالحليم حافظ «الإفيه» دون أن يمس أم كلثوم بـ«إساءة متعمدة»، واستخدم ذكاء ابن البلد عندما يريد أن «يفرس» واحدًا ممن ينغصون على حياته، ليثير زوبعة مع سيدة الغناء الأولى في ذلك الوقت، لتنتهي واقعة الخصام بصورة يُقبِّل فيها يدها.
(2)
عاود العندليب الأسمر اللجوء إلى ذكائه في رمي «الإيفيهات» غير المكلفة، في لقاء الصلح الشهير مع فريد الأطرش، الذي له في بيوت المصريين مكانة جنبًا إلى جنب مع مشاهير الغناء في تلك الفترة الذهبية التي عاشتها مصر المحروسة.
كانت الخلافات حامية تسجلها الصحافة بين حليم والأطرش، فكان اللقاء التليفزيوني الذي يجمعهما للصلح بينهما، وأثناء الحديث يقول فريد بابتسامة تخفي غصة من أسلوب العندليب: «قلت عليا إن أنا والدك»، فيضحك الأسمر ليرد بسرعة: «ده أنا قلت إنك جدي»، وبعدها يدبج عبارات من المديح لمكانة ابن الشام في الغناء وتميزه في الألحان، ويتم الصلح بينهما وتصبح الأيام المعدودة بينهما سمن على عسل.
(3)
بعد سنوات من واقعتي العندليب الأسمر، ستسجل دفاتر مصر مولودة جديدة اسمها شيرين لديها صوت جيد يجعلها مغنية لا غبار عليها في الساحة الفنية لكن ينقصها الذكاء الاجتماعي، تتصرف كطفلة ترى ما تفعله مجرد «هزار»، فإذا تحدثوا معها مرة أخرى عما تصنعه من «تهريج» يتعلق بواقعة حديثها عن الفنان عمرو دياب، فترد بحزم: «إساءة متعمدة»، وكأن ما فات من تصريحات على لسانها والقسم بحياة ابنتها في رسالة صوتية شهيرة مجرد «هزار» مع الجمهور وتتناسى أنه «إذا كنت كذوبًا فكن ذكورًا».
فلا شيرين تقدر قيمة ما تفعله مثل الأطفال، الذين يضمنون أن أولياء أمورهم سيقومون بالواجب حال ارتكابهم كوارث داخل المنزل أو خارجه
(4)
لم تتعلم شيرين من العندليب الأسمر وتصرفه الذكي مع أم كلثوم وفريد الأطرش، فقط اعتمدت على أن لها طوفان من المحبين سيقف إلى جوارها ضد «الهضبة» لأنها «الهرم» كما ترى نفسها.
بالطبع قد لا تكون الكرة ضمن اهتمامات شيرين في الحياة، لكنها مؤكد سمعت في الماضي عن لاعب شهير اسمه إبراهيم سعيد كان له صولات وجولات في الملاعب لكنه خسر نفسه بتصرفاته رغم أن مستقبله كان يبشر بمهارة نادرًا ما يجدها المستطيل الأخضر في بلادنا.. فهل تتعلم منه؟
(5)
قد تتراجع شيرين عن تصريحاتها ضد «الهضبة»، لكن عليها أن تجهز عبارات عليها القيمة كي يصدقها الجمهور حينها، خاصة لو كان حديثها سيكون في برنامج يجمعها مع عمرو دياب، كما حدث في لقاء الصلح بين العندليب والأطرش.
مَن يدري فربما تكرر الأيام ما حدث، وساعتها يكون الختام بينهما: «ما بلاش نتكلم في الماضي».