– فى البداية يجب أن أوضح أن هذا المقال لا يهدف للتقليل من شأن أحد، أو التعالي على أذواق البعض، فالفنان مصطفى كامل له منا كل الإحترام على المستوى الشخصي، وجمهوره – إذا كان هناك جمهور – أو كل من يحب الاستماع إلى أغانيه، نحترم ذائقتهم وآراءهم الشخصية، وهذا هو أحد الأهداف الأساسية للفن عمومًا، أن تختلف من حوله الآراء وتتعدد، ويراه كل إنسان من خلال منظوره الشخصي، فلا يوجد يقين مطلق فى الفن.
– التعاطى مع المنتج الفنى لمصطفى كامل، بالنقد أو بالتحليل، دون التورط فى السخرية، شىء فى منتهى الصعوبة. فالسخرية هنا أمر إجباري، وشبه حتمي، لأنه وبمنتهى البساطة أغنيات مصطفى كامل – وبرغم إفراطها الشديد فى السوداوية – تتسبب فى خلق حالة من الضحك، ربما أكثر مما تفعله الأفلام الكوميدية.
– ما جعل أغنيات مصطفى كامل تتحول لمادة خصبة للسخرية، وإحدى مسببات الضحك، هو ميله الشديد ” للأفورة “. المبالغة فى اصطناع حالة الحزن والتأثر، تؤدي في النهاية لنتيجة عكسية تمامًا. ومن المعروف أن الشىء إن زاد عن حده بينقلب لضده. ولكن يبدو أن مصطفى كامل ينسى هذه الحكمة الشعبية البسيطة البليغة، والمعبرة بدقة عن حال أغنياته.
– بدأ مصطفى كامل مسيرته الفنية، كشاعر غنائى ظهر فى أواخر التمانينات، وطوال التسعينات كان نجمًا فى مجاله، وأحد أهم الأسماء بين كُتاب الأغاني وقتها، كتب لأهم نجوم المرحلة مثل محمد فؤاد وهانى شاكر، وكثيرين غيرهم، وحتى عمرو دياب تعامل معه على استحياء فى 3 أغنيات فقط وهم ” ماتفكرنيش ” و ” اوعدنى ” و ” الملاك البرىء “.
– بعض الأغنيات التى كتبها حققت نجاحًا جماهيريًا ساحقًا، ويكفى أن نذكر منها على سبيل المثال، أغنية ” الحب الحقيقي ” لمحمد فؤاد والتى كانت أنجح وأشهر أغنية فى مصر عام 1998. ويُحسب لمصطفى كامل أنه تقريبًا اخترع شكلًا جديدًا لكتابة الأغنية، بعيدًا عن الشكل التقليدى المتعارف عليه، ونستطيع أن نسميها بالأغنية ” الرهوان ” وفيها ينطلق المطرب دون توقف فى ” رص ” كوبليهات متتالية دون وجود ” مذهب ” أو ” سنيو ” يتكرر بين كوبليه والآخر. أشهر هذه النوعية وأنجحها قدمه مع هانى شاكر فى أغنيتى ” لو بتحب ” و ” سألتك “.
– فجأة ومع بداية الألفية الجديدة، اكتشف مصطفى كامل فى نفسه موهبتى الغناء والتلحين، وهنا بدأت مأساة الشعب المصرى، وفتحت أمامه أبواب الجحيم على مصراعيها.
– لا يمتلك مصطفى كامل صوتًا جيدًا، بل صوته أقرب للنشاز، وألحانه ثابتة ومتكررة وفقيرة فنيًا للغاية، ألبومه الجديد ” ندمان ” لا يحمل أى جديد على مستوى الكلمات والألحان والأفكار، فما زال مصطفى كامل هو الشخص المظلوم، المتهان، المتخان، الندمان، المعذب، الجريح، المغلوب على أمره، اللى الدنيا جاية عليه. وحاجة يعنى تصعب على الكافر، ويشيب لهولها الولدان.
– كعادته كفنان شامل، فالألبوم كله من كلمات وألحانه، باستثناء أغنية ” معلش يا قلبى ” فهى من ألحان شريف حمدان، ولكنك لن تشعر بأى فارق يذكر.
– بإحصائية بسيطة لكلمات أغانى الألبوم الـ 8 سنجد أن أكثر الكلمات تكرارًا هى ” حزن – أحزان ” ” ظلم – ظالمانى ” و ” الويل ” بمعدل 4 مرات لكل منها. أما ” خان – اتخان ” تكررت 5 مرات، و ” الوجع ” مرتان فقط. أما الكلمة ” البريمو ” والتى اكتسحت الألبوم، وهى الكلمة المفضلة عند مصطفى كامل بالطبع، فهى كلمة ” جرح – جراح – جرحنى – ومشتقاتها ” فقد تكررت 14 مرة !
– وجود شىء فيه ريحة التفاؤل، أو بيدعو للفرح، والأمل، تقريبًا دى حاجة بتعصب مصطفى كامل جدًا، وعنده قدرة خاصة على تتبع أى معنى جميل، لتقديمه بشكل عكسى على طريقته السوداوية الخاصة. يعنى مثلا الشاعر الكبير الراحل عبد الرحمن الأبنودى قال فى قصيدته الشهيرة عن ثورة يناير ” طلع الشباب البديع قلبوا خريفها ربيع “. مصطفى كامل بقى فى أغنية ” ندمان ” بيقول ” بتخان عشان كان قلبى قلب نضيف .. ربيع عمرى اتقلب لخريف ” انا اسرق التشبيه اه، بس ماتفائلش. انا لو تفاءلت هتحرق. وحتى أغنية جنات الشهيرة ” حب جامد ” هو عمل نقيضها ” جرح جامد ” يا جدعان قلتلكم محدش هيفرح هنا.
– فى أغنية ” ندمان ” برضه، والمليئة بالكوارث، يقول مصطفى كامل ” ندمان لكن حاعتب والوم على مين .. أنا الغلطان أوى يا سنين .. أنا اللى عشقت حد رخيص مالوش لازمة ” لحد هنا تمام، بغض النظر عن غضبه الصبيانى فى حتة ” حد رخيص مالوش لازمة “. بعد كدة بيقول ” لو خان مانا اللى اديتله فرصة يخون .. وكان بيقولى كن فيكون ” استغفر الله العظيم يارب. وبعدين ” انا اللى استاهل اضرب روحى بالـ……. ” وبيسكت فى آخر كلمة، ومفروض يعنى كان هيقول ” بالجزمة ” على وزن ” لازمة ” زى ما أى حد هيسمع الأغنية هيستنتج. لكنه تقريبًا استصعب الكلمة على أذن المستمع، وفيه الخير والله، بس هو ” كن فيكون ” دى عادى جدًا يعنى، انما ” بالجزمة ” لا عيب، ومايصحش ! عمومًا انا اللى استاهل اضرب روحى بالجزمة يا أستاذ مصطفى. انت عداك العيب.
– هتلاحظ انه حتى لما غنى حاجة ” فرايحى ” بيحتفل فيها بعيد ميلاد حبيبه فى أغنية ” الليلة ” هتلاقيه بيقول ” يا مالكنى يا شابكنى يا ابو قلب تاعبنى هالكنى .. يا اللى غرامك كوانى ” يعنى حتى وهو مبسوط وبيحب، ومفروض انه بيوصف حالة رومانسية، بيستخدم برضه نفس مصطلحاته وألفاظه الصعبة والتقيلة زى ” تاعبنى ” ” هالكنى ” ” كوانى “.
– عام 2009 كتبت فى مجلة ” كلمتنا ” موضوع ساخر عن توقعاتى لشكل الأغنية فى المستقبل القريب. كان من ضمن ما كتبته ان مصطفى كامل سيصدر ألبومًا بعنوان ” يوم القيامة ” لم يفعلها كامل حتى هذه اللحظة، لكنه ما زال يبشر فى ألبوماته بنهاية العالم، ناشرًا رسالته التشاؤمية فى كل مكان، متقمصًا شخصية الفنان هانى رمزى فى مسرحية ” تخاريف ” وشعاره ” الناس عمرها ما كانت مبسوطة ” أو هانى رمزى برضه فى مسرحية ” وجهة نظر ” وجملته الشهيرة ” مش قلتلكوا مفيش فايدة! ” فمصطفى كامل لا ينتهى، ولكنه يساعد على الانتهاء، ويدعو إلى الفناء، حفظنا الله وإياكم من شرور أغنياته.