نقلًا عن المصري اليوم
هذا الفيلم يتابعه، الآن، العالم بشغف، ولكننا لن نراه في أي مهرجان يُقام على أرض المحروسة، كما أن عددا من الدول العربية، ربما كنوع من المجاملة لمصر، ستفكر ألف مرة قبل السماح بعرضه تجاريا.
إلا أنني أؤكد لكم برغم كل هذه المحاذير، فإن المصري الذي (خرم التعريفة ودهن الهوا دوكو) وفي خلال أسابيع قليلة لن تتجاوز أربعة على أكثر تقدير، سيتمكن من اصطياد الفيلم عبر (النت)، وسوف يتم تبادله بالمجان في أسطوانات (سي دي) و(فلاشات)، والرقابة لا يمكن أن تسمح فعليا، بفيلم يفضح جهاز الشرطة على هذا النحو المباشر، فهو يعيد الصياغة الدرامية لمقتل المغنية اللبنانية سوزان تميم، إلا أنه غير أرض الجريمة لتصبح في فندق (النيل هيلتون) بدلا من (دبي)، وتلاعب في الزمن لينتقل من 2008 إلى مطلع 2011 ليتحول إلى حافز عميق وكامن لثورة 25 يناير، كما أنه يؤكد أن الملياردير هشام طلعت مصطفى كان يتلقى حماية مباشرة من ابن الرئيس حسني مبارك.
الملياردير حاليا حر طليق وصوره وأنشطته تملأ الدنيا بعد أن أفرج عنه الرئيس عبدالفتاح السيسي، وذلك ضمن صلاحيات الرئيس في العفو عن عدد من المساجين في الأعياد، بعد قضاء ثلاثة أرباع المدة، ولهذا فإن عودته لممارسة مشروعاته مجددا وهو بالقطع ما لم يرصده الفيلم ستمنح الشريط درجة تشويق أعلى.
(حادث هيلتون النيل) هو اسم الفيلم بالفرنسية ومخرجه وكاتبه مصري الأصل سويدى الجنسية طارق عباس، وكانت مصر هي المحطة الأولى للتصوير، إلا أن الأمن قبل ثلاثة أيام فقط من انطلاق الكاميرا، تنبه لخطورة الرسالة التي يطرحها الشريط، فتمت إزالة الديكورات وإلغاء التصاريح، بعد أيام قلائل، كان الفيلم يجري تصويره في المملكة المغربية، وبالمناسبة كل الأفلام العالمية التي نتردد أمنيا ودينيا وسياسيا، في تصويرها على أرضنا، تستقبلها المغرب، وتحصل على العملة الصعبة، بينما نحن نملأ الدنيا صخبا وضجيجا، بقدرتنا اللامحدودة على الضبط والربط والمنع والمصادرة.
أنا مثلكم لم أشاهد الفيلم، إلا أنه صار الحدث الأبرز سينمائيا، خاصة بعد كل تلك الجوائز العالمية التي نالها، كما أنه يطرح العلاقة بين التوثيق والقيمة الدرامية، مقتل سوزان تميم تحرك للأمام ثلاثة أعوام ممهدا لثورة يناير، والحادث استطاع رجال الشرطة في (دبي) وليس (القاهرة) اكتشافه وإلقاء القبض على القاتل، رجل أمن الدولة السابق، الذي أقدم على الجريمة بتحريض من هشام مصطفى، كانت الهمسات وقتها تتردد عن علاقات وطيدة بين هشام وعائلة الرئيس، وأنه سوف تتم حمايته، إلا أنه في النهاية وبعد رحلة أمام القضاء المصري العادل، تمت إدانته بالسجن المشدد.
لدينا ثلاثة مهرجانات قادمة (الجونة) و(الإسكندرية) و(القاهرة)، وطوال تاريخ المهرجانات في مصر والتي بدأت عام 1976 وهناك ما نُطلق عليه عرضا محدودا للصحفيين والسينمائيين، لا يُسمح فيه بشباك التذاكر، أي أنه طبقا للقانون لا يشترط موافقة الرقابة لأنه ليس عرضا عاما للناس، وهو حل استثنائي يسمح برؤية الأفلام الخلافية، وفي نفس الوقت يطرح إمكانية أن تتسع الدائرة ليعرض بتحذير يشير إلى أنها لا تستند إلى أحداث واقعية، لأننا لو ظللنا نطبق تلك المعايير القديمة الراسخة التي تضع سياجا خرسانيا بمنع فيلم مخرجه مصري وأحداثه مصرية وأبطاله مصريون، سينطبق علينا مقولة نادية الجندي الخالدة (سلم لي ع البتنجان)!!