في الأول من أغسطس الجاري، انتشر على مواقع التواصل الاجتماعي، فيديو مجهول التاريخ، لكن يبدو من ملابس من ظهروا خلاله، أنه صوّر خلال فصل الشتاء، لكابينة قيادة أحد القطارات، وفي كابينة القيادة ظهر أشخاص يرقصون على إيقاع الأغاني الشعبية، وهم يدخنون سجائر “الحشيش”.
هيئة السكك الحديدية، خرجت علينا بعد هذه الواقعة لتؤكد وتطمئن المصريين، بأن الواقعة حدثت منذ 7 أشهر، وفي “قطر صيانة” وليس قطار ركاب، وأحالت السائق إلى التحقيق.
نشير إلى هذه الواقعة التي عبرت ومرت علينا، ولم تجد من المسؤولين سوى هذه القرارات “الروتينية”، وكأن سائق القطار كسر الروتين الوظيفي ليس أكثر، ومرت على المتابعين، بالسخرية على السوشيال ميديا، وتركت خوفا صامتا داخلهم، وترقب للمجهول، ودعوة “ربنا يستر”، لنؤكد أنها كانت جرس إنذار وفأل شؤم ونتيجة حتمية لكوارث مقبلة.
واليوم 11 أغسطس 2017، تقع حادثة ربما لم تشهد محافظة الإسكندرية مثل مأساويتها من قبل، بعد تصادم قطارين في الخط الداخلي للمدينة، بمنطقة “خورشيد”. أوقع – حتى الآن- 38 قتيلا وعشرات المصابين، قطار غلابة آخر، يحملهم إلى الموت بدلا من محطتهم المراد الوصول إليها.
فور الحادث، مرت أمامنا الأخبار مكررة حول اللجنة التي أمر رئيس الوزراء ووزير النقل بتشكيلها لبحث أسباب الحادث، والتحقيق الذي أمر النائب العام بفتحه، حتى إن أحد المغردين على تويتر، كتب فور وقوع الحادث، يتوقع الأخبار التالية، بصرف تعويض 5 آلاف جنيه لأسر كل ضحية، وربما في النهاية سيتحمل السائق مسؤولية الحادث، وعلى الأغلب سيكون من بين القتلى، ويُغلق الملف وتفض اللجنة عملها، في انتظار الكارثة التالية.
مجلس الشعب أيضا، لا يمكنه تفويت الفرصة للإمضاء في دفتر الحضور، حيث دعت لجنة النقل بالبرلمان إلى اجتماع عاجل لبحث أسباب الحادث، ولم يخل الأمر من تصريحات تُندد بالحالة المتردية للسكك الحديدية في مصر، والإعلان عن اجتماعات لبحث سبل تطوير الهيئة وخدماتها.
كل هذه الخطوات المعادة والتصريحات واللجان والاجتماعات، كان يمكن تجنبها، إذا تم العمل بـ”الضمير” فقط. وإن كان هذا أمرا صعبا، فيمكن العمل بـ”الخوف من المسؤولية”، بمجرد مشاهدة فيديو لأشخاص يُحششون داخل كابينة قيادة قطار “سوءا صيانة أو غيره” فلا فرق، كان يجب أن يكون هذا المشهد، جرس إنذار، بكارثة قادمة.
منذ عدة أشهر، تم الإعلان عن إسناد تطوير مزلقانات السكة الحديد إلى وزارة الإنتاج الحربي، وصرح النائب وحيد قرقر، وكيل لجنة النقل بالبرلمان في يونيو الماضي، قائلا إن ذلك “خطوة جيدة وأمر يدعو للتفاؤل لإنجاز تلك المسألة، خاصة أن القوات المسلحة بصفة عامة تتميز بالانضباط في التنفيذ”، هذا التصريح الذي يُدين “النقل” والساكت عنها، أكثر ما يُشيد بدور الإنتاج الحربي، جاء عقب الحوادث المتكررة بسبب المزلقانات.
المقصود من استعراض هذا التصريح، أن أزمة النقل في مصر، لا تُناقش من منظور شامل، ولكن “بالقطعة”، فإذا وقعت بعض الحوادث بسبب المزلقانات، تخرج علينا الوزارة والبرلمان بتصريحات تؤكد بحث تطويرها، وإذا كان السبب في العامل، لا يتم النظر إلى وضعه المادي والاجتماعي، وهل يؤهله إلى قيادة قطار أم لا، لكن يُكتفى بالتحقيق معه وحبسه أيضا “لو لسة عايش”.
لكن هذه المرة، تخطى الأمر المزلقانات والإهمال، بعد تصريح أحمد الزيني رئيس جمعية النقل، الذي أعلن خلال تصريحاته لقناة extra news، مؤكدا أن السكة الحديد في مصر لا يوجد بها لوحة تحكم، ترصد تحركات القطارات، ويمكن من خلالها تفادي وقوع مثل تلك الحوادث، وتابع: “إن حادث اليوم، كان يمكن تفاديه، لو أن هناك غرفة تحكم، يتم من خلالها، إبلاغ القطار القادم بوجود آخر متعطلا على نفس الطريق”.
الصمت الذي مر من خلاله مشهد “الحشيش في كابينة القطار”، يؤكد الآن أن من لم يتعظ من هذا المشهد فلا واعظ له، والمسؤول الذي لم يُقرر بعد هذا الفيديو فتح ملف السكة الحديدية في مصر، بشكل عام، من تجديد وصيانة، والارتقاء بأحوال جميع العاملين في هذا القطاع، لا رجاء منه الآن في أي تطوير مستقبلي.