محاولاتك باءت بالفشل إذا كنت تعتقد أن محتوى الموضوع، الجاري قراءته الآن وثيق الصلة بعنوان الرابط الإلكتروني الذي تتفحصه، فما هي سوى خدعة تقع فيها، إما تستمر بها أو تتجاوزها، لكنك أنت سيد قرارك وصاحب الاختيار، فما ينبغي معرفته جيدا، أنه لم يأت بك إلى هنا سوى حبك للمعرفة، ولم يستهويك الإطلاع على هذا المحتوى إلا لإشباع فضولك.
فكما حدد علم النفس ستلاحظ أن دوافعك النفسية، هي التي أرسلت المؤثرات الحسية إلى عقلك، والذي استجاب لها وقام بدوره في توجيه إشارات عصبية لتحريك أصابع يدك لاستخدام لوحة المفاتيح، على هاتفك الخاص أو حاسوبك لاستكشاف محتوى ذلك الرابط الذي تشاهده الآن، حتى وأن حملتك الرغبة الشديدة في التعرف على مضمون موضوع ما.
فإنك لا تدري مدى موضوعيته، أكان سلبيا أم ايجابيا، مثيرا أم محافظا، أيا كان مجاله، ودون معرفة لهدف كاتبه، أو دراية ببنات أفكاره، فأولوياتك كقارئ لم يعد يشغلها البحث عن مصدر المعلومة المستقاة ولم يعد يدرك جدواها، بل أصبحت أكثر بحثا عن كيفية إجابة الطلب المعرفي، وتلبية نداء الشغف الفكري.
فلعل اطلاعك على الأخبار المثيرة، حقا لا يأتى إلا من خلال رغبة ولدها الفضول لديك، نحو معلومة أو صورة دون الإلمام حتى بجدية أو وهمية المعلومة، الفضول بعينه لا سواه، الذي أجبر معه وسائل الإعلام والرأي المطبوعة، على تلبية متطلبات الجمهور ومجاراة اهتماماته، من خلال إبراز العناوين المثيرة والترويج للمحتويات غير الأخلاقية، طالما تشبع نهم القارئ فلما لا تقدمها الصحف؟!.
حقيقة العمل الصحفي تؤكد لك، أن إقبال القراء على مثل تلك النوعية من الأخبار والمواد وشغفهم بها، جعل منها مقياس لمعدل نجاح الصحف ونسب قراءتها، فأصابت شبكات التواصل الاجتماعي مسئولي المواقع الإلكترونية بالهوس، حيث أصبح كل مشترِك جديد على تلك الشبكات بمثابة حصيلة إضافية من الأموال وارتفاعا لمؤشر التوزيع والرواج، وليس متلقي للخبر أو المعلومة الدقيقة.
معرفتك بسعي إدارات الصحف ومسئولي صالات التحرير المستمر، نحو رفع معدل مشاهداتها، حتى وصل مستوى صاحبة الجلالة لما هو عليه حاليا، يعفيك من إلقاء اللوم عليها، فاهتمامات الجمهور المستهدف وحدها التي تحدد نوعية المعلومات التى تمتلئ بها صفحاتها وتتكدس بها مواقعها.
فمن الصعب دوما الاختلاف على أن انتشار بعض السلع التجارية وزيادة رواجها بالأسواق لا يعود لشيء سوى الإقبال الجماهيري، عليها حتى وأن لم تكن الأفضل، هذا هو حال الموضوعات الصحفية التي لاتخرج عن كونها سلعة معروضة، ركدت أم راجت، أنت كقارئ المسئول الأول عن مدى انتشارها ومستوى قراءتها خاصة فى ظل الاعتماد على المواقع الصحفية الإكترونية وشبكات التواصل الإجتماعى ، فلا يمكن لأحد أن يتدخل فى تفضيلات الجمهور واختياراته للمادة الصحفية التى يقبل عليها .
ظهور اتجاه صحف الإثارة مطلع القرن الحالي، قبل سيطرة الصحافة الإلكترونية على مجريات الأمور يعد أبرز مثالًا لذلك، والتي قام قوامها وارتفع بنائها على الفضائح والموضوعات الجنسية وإبراز الشائعات والإكثار من العناوين الشائكة ذات التورية، ولكنها فشلت في حجز مكانها في متابعات الجمهور، الذي غض البصر عنها وأكمل رحلته مع الصحف المحافظة.
دور الشبكات الاجتماعية في انتشار الأخبار الخفيفة التى تحقق مشاهدات مرتفعة تظهر بقوة الشمس، فدعنا نتخيل فقدان تلك الشبكات الإجتماعية وعودة الصحافة إلى سيرتها القديمة، التي تنحصر بين الورقية والمواقع الالكترونية فقط، هل ستكف عن البحث عن الأخبار المثيرة؟
شئنا أم أبينا فالتنبؤ بحجم تطلعاتك المعرفية، لايزال مثار جدل دوما لأنك وحدك من تعرف بها، وتترجمها من خلال بحثك واختيارك لموضوعات وأخبار معينة، تصنع بها معدل انقرائية المواد الخبرية.
قناعاتك الراسخة عن سذاجة عقلية الجمهور، وإمكانية خداعه بسهولة من قبل محرري مواقع التواصل الاجتماعي بالعناوين المشوقة أو بالصور العارية، لابد وأن تضعها على قارعة التغيير، لأنه أصبح على دراية جيدة، بما يريد الاطلاع عليه جيدا دون وسيط أو توصية من أحد.
عزيزي القارئ، لقد تأخر الوقت كثيرا للإشارة إلى دورك، في دعم وترويج مجتمع الأخبار الصفراء، وتحقيق معدلات مرتفعة من الانقرائية، حيث صارت إزاحة الستار عن البطل الحقيقي لذلك المجتمع، والمحرك الرئيسي له، ذو العقلية المتهافتة عليه، أمرا حتمي، فلم تعد الأعذار مقبولة لغلق أبواب اتهامك في انتشار تلك الأخبار، ومسؤوليتك في مساعدة محرري الصحف على إنتاج المزيد منها.
حديثنا لا يرفع الحرج عن الصحف والمواقع الالكترونية، في اتباع سياسات تحريرية أقل مهنية، وأضعف مجهودا، وأكثر سهولة، وأبعد عن أخلاقيات الصحافة، ولكنه ينتقل إلى مسؤوليتها في نهج سياسة تحرير تلتزم بآداب المهنة، وتحترم قواعد النشر، وتحافظ على آليات الكتابة الصحفية، وتستمر في تقديم محتوى راقي، يساعد على توصيل المعلومات بكفاءة خبرية عالية.