يتملكني الرعب عندما أسأل زميلًا في العمل؛ أو جارًا لي، أو صديقًا على “فيسبوك”، عن سنه، فأكتشف أنه يصغرني بـ ٤ أو ٥ سنوات كاملة.. تقع إجابته عليّ كالصاعقة .. يا إلهي متى كبرت؟ وكيف وصلت إلى هذه السن فجأة ؟ هل حقًا مررت بكل تلك السنوات دون أن أشعر ؟ .. وهل اقتربت من الموت؟ هل سيفاجئني ملك الموت خلال أيام طالبًا روحي ومعلنًا نهاية فترتي في الحياة ؟! ..
أفيق من أفكاري المضطربة فجأة، أدقق في المرآة لا وجود للشعر الأبيض حتى الآن ! أهاتف أبي وأمي لأطمئن على صحتهما، وجودهما على قيد الحياة يشعرني أنني لازلت صغيرًا.. أرتدي ملابسي الرياضية بسرعة وأتوجه إلى الجيم أمارس كل التمارين وكأنني مقبل على بطولة، أركض على الكورنيش صباحًا كلصٍ يهرب من ملاحقيه، أصعد السلم عدة مرات لأتأكد من أنني لا أعاني أي مشكلات صحية وأنني لازلت بخير .. نعم إنني بصحة جيدة ولن أموت الآن .. بالطبع لن أموت الآن مازلت لم أنشر كتابي الأول بعد ولم أقدم برنامجًا على الشاشة ولم أتابع بعد ابنتي تخطو خطواتها الأولى في المدرسة، بل ولم أشاهد منتخب بلادي يناطح الكبار في كأس العالم ولا مرة ! .. هل لازال في العمر بقية لتحقيق كل تلك الأحلام؟.. من يدري ومن يضمن !
تلاحقنا أخبار الموت بين الحين والآخر، تطاردك في كل وقت في ميكروفون المسجد المجاور لبيتك، التلفاز، الصحف، العمل، الأسرة.. الكل يموت كبير وصغير هذا مات في سن العشرين وهذا مات قبل عرسه بأيام و هذا مات وترك ابنه الصغير يتيمًا، وذاك مات في الخمسين وهذا كهل مات أخيرًا في الثمانين من عمره.
لازالت أخبار الوفاة تلاحقك بشكل يجعلك تسأل “لماذا يموت الجميع عداي ؟.. هل أنا مُحصن ضد الموت ؟ هل سأموت قريبًا مثلهم وأصبح في عالم آخر”.. سيترحم البعض عليك لفترة و قد يجعل أحدهم صورتك ذات الشريط الأسود عنوانًا لحسابه على “فيسبوك” لفترة قبل أن ينساك الجميع وينشغلون في أعمالهم وحياتهم إلى أن يوقظهم خبر جديد وحالة وفاة جديدة انتقلت من الموت إلى الحياة أو العكس.