حتى الطبيعة عندها تتمصر، هكذا وصف الشاعر العراقي مهدي الجواهري مصر، وعلى ذلك المنوال نجد أن الطبيعة ليست وحدها التي تأتي إلى مصر فتصبح مصرية، فنرى الأحكام الشرعية تتمصر عند قدومها إلى مصر على يد الإمام الشافعي.
بينما الأبرز هو تمصر الأشخاص بمجرد حضورهم إلى مصر، فنكتشف بعد مرور السنين أن العديد من الرموز الذين عهدناهم مصريين الطبع واللهجة و”خفة الدم” في كثير من الأحيان ليسوا بمصريين الأصل، بل جاءوا إلى مصر فأصبحوا من أهلها ومن مريديها، فلم يصبح هناك ريبة أو شك في مصريتهم، ومن بينهم الفنانين الذين قدموا فنا مصريا أصيلا، ولكنهم لم يكونوا مصريين الأصل.
ومن بين هؤلاء عدد من الوجوه المعروفة، نرصد هنا أبرزهم:
فمن يصدق أن صاحبة الجمل الشهيرة في السينما المصرية مثل “طوبة على طوبة خلي العاركة منصوبة” و”حماتك.. مدوباهم اتنين” لم تكن مصرية الأصل.
فالفنانة ماري حبيب سليم نصر الله، ولدت في العاصمة السورية دمشق، لأبويين سوريين، في 11 فبراير عام 1905، وانتقلت مع أسرتها في نهاية ذلك العام إلى القاهرة، بالأخص في حي شبرا، حيث اكتسبت هناك المقومات التي تؤهلها لأن تصبح واحدة من أبرز فنانات الكوميديا في مصر.
حصلت على لقب “منيب” من زوجها الفنان الكوميدي فوزي منيب، وظلت تحمل اسمه حتى بعد طلاقهما وزواجها من فهمي عبد السلام زوج شقيقتها التي توفيت، وقدمت خلال رحلتها الفنية ما يقرب من 200 فيلم، وعملت في العديد من الفرق المسرحية مثل فرقة علي الكسار وفرقة نجيب الريحاني.
وُلد الفنان عبد السلام عبد الغني النابلسي في قرية “عكار” في لبنان عام 1899، ولكنه من أصول فلسطينية لبنانية، فجده كان قاضي نابلس الأول ومن بعده والده.
جاء “النابلسي” إلى مصر طالبًا للعلم في العشرين من عمره، والتحق بالأزهر الشريف، وحفظ القرآن الكريم، ونبغ في اللغة العربية إلى جانب الفرنسية والإنجليزية بعد أن تعلمهما في بلده الأم.
بدأ عمله في مصر صحفيًا في مجلة مصر الجديدة ومجلة الصباح، وبدأ مشواره الفني بفيلم “غادة الصحراء”، وجاء فيلم “وخز الضمير عام 1931، ليحقق له حلم النجومية، ولكنه لم يكتف بعمله كممثل، بل عمل كمساعد مخرج في بعض الأفلام.
كان صاحب لقب “أشهر عازب في الوسط الفني” حتى تزوج في سن متأخر، وعلى الرغم من أنه كان فنانا كوميديا، وكونه صاحب أشهر دعاء في تاريخ السينما المصرية “ابسطها يا باسط” إلا أن حياته كان بها العديد من المأساويات، فإلى جانب مرضه القلبي الذي توفى على إثره، فقد خرج من مصر بسبب الضرائب وانتهت حياته في لبنان ولم يستطع العودة إلى البلد الذي عاش واشتهر وقدم فنه فيها.
“ثانية واحدة اتحزم وأجيلك”، بتلك الجملة ومن خلال العديد من الأعمال التي قدم فيها إستيفان روستي أدوارا تعتبر علامات فارقة في السينما المصرية، برز الفنان الذي لم يشك الجمهور في أنه “ابن بلد”، على الرغم من اسمه “الإفرنجي”، في أدوار الشر، كما قدم أدوار الكوميديا التي برع فيها، ويعتبر من الفنانين القلائل الذين أضحكونا وهم “أشرار”.
ولكن الغريب أنه على الرغم من حسه الفكاهي المصري، لم يكن عربي الأصل من الأساس، فقد ولد في روما عام 1891 لأب نمساوي وأم إيطالية، وعاش طفولته في إيطاليا، ولكن ظروف عمل والده كسفير لدولة النمسا جعلته يأتي إلى مصر، وهنا انفصل والد “إستيفان” عن والدته، فقررت الأم الاستقرار في مصر.
وهكذا التحق “إستيفان” بمدرسة برأس التين، وهناك تشبع بالثقافة المصرية، وسافر إلى أوروبا العديد من المرات وفي إيطاليا وفرنسا التقى بأشهر الفنانين وعمل هناك بالسينما، وعندما عاد إلى مصر التقى بعزيز عيد، الذي أعجب بأدائه وضمه إلى فرقته المسرحية، وانتقل بعد ذلك إلى فرقة نجيب الريحاني وقدم من خلالها العديد من الأدوار مثل “العشرة الطيبة”.
لم يكتف أبدًا بكونه ممثل، بل قام بكتابة القصة والسيناريو وعمل بالإخراج،وقدم للسينما المصرية ما يقرب من 380 فيلم من تمثيل وإخراج وتأليف.
“فيرجينيا جميلة الجميلات”، ولدت في اسطنبول عام 1918 لأب سوري وأم تركية، وكان والدها يعمل في تجارة الأقمشة بين مصر وتركيا وسوريا، ففي عامها الخامس جاءت إلى مصر لتعيش بحي شبرا وتلتحق بمدرسة للراهبات.
اقتحمت عالم الفن بالصدفة حيث كان والدها صديقا لوالد المخرج جمال مدكور، فشاهدها “جمال” عندما كان يزور والده في المتجر المجاور لمتجر والدها، ورشحها للعمل مع المخرج نيازي مصطفى في فيلم “مصنع الزوجات” عام 1941م، وعلى الرغم من أن الفن لم يكن حلمها إلا أنها شعرت بحب شديد للعمل وأيقنت أن هذا هو طريقها ومجالها.
قدمت للسينما المصرية حوالي 85 فيلما سينمائيا، “ليلى بنت الشاطئ” و”الناصر صلاح الدين” أشهرهم و 40 مسلسلا أبرزهم “هوانم جاردن سيتي”.
وإلى جانب هؤلاء هناك العديد من الفنانين الذين ولدوا وعاشوا في مصر، ولكن أصولهم لم تكن مصرية، أبرزهم:
هو نجيب إلياس ريحانة، ولد في مصر لأم مصرية وأب عراقي كلداني، كان يعمل في تجارة الخيل واستقر به الحال في مصر.
ميشيل ديميتري شلهوب، ولد في الأسكندرية لأب لبناني يعمل في تجارة الأخشاب هاجر في رحلة من لبنان إلى مصر في أوائل القرن العشرين وأم لبنانية سورية.
نينوشكا مانول كوبليان، ولدت في مدينة القاهرة في عام 1945 لأسرة أرمنية من أصول سورية ومن مدينة حلب بالتحديد.