إسلام كسبر
«الحبكة plot »
تدور رواية النبض صفر _للكاتب الملهم عبدالرحمن جاويش، والصادرة عن دار تويا للنشر والتوزيع_ عن أحداث متتابعة في خيط درامي تام الإحكام. فبطل الرواية «يحيى الطحاوي»، الذي يعاني من مرض نفسي(مرض الخوف من الموت)، وخاض تجارب العلاج الغريبة التي لم يتم تطبيقها من قبل، لربما كان خوض طريقة العلاج الجديدة وإعلان وفاته ونزوله إلي عالم الأموات حيًا أهون عليه بكثير من أن يحيا بهواجسه التي قلبت حياته رأسًا علي عقب. لم يجد سندًا ولا عوضًا بعد رحيل أحبابه من الأهل، ولا حتي حياة زوجية سعيدة يألو إليها، وسط جو عائلي من الجشع والمكر والتكالب علي السلطة والعمودية… فبعد خوضه لتجربة العلاج وعاد مرة ثانية للحياة، كانت الرحلة بمثابة رحلة تعرية من النفس الانسانية والبشرية؛ فسرعان ماظهر حقيقة كل من حوله…
فالشيطان كان يومًا ما ملاكًا يا يحيى….
*************
مرّت الحبكة بالمراحل التالية:
1_ تمهيد الأحداث للقارئ Exposition
حيث بدأ الكاتب روايته في التلميح للجو العام بموضوع الرواية وتقديم بعض الشخصيات الأساسية، مستخدمًا في ذلك تقنية تغيير الترتيب الزمني ال Flashback ، حيث جذب انتباه القارئ وزيادة تشويقه.
………
2_ بذرة الصراع Initial incident
نجد بذرة الصراع أوشكت الظهور هنا حين أصرت زوجته مي علي ضرورة العمل وعدم الاعتماد علي إيراد أرض الطحاوية فقط. تلك اللحظة التي نزل فيها يحيى هائمًا لا يدري أين وجهته؛ لميعادين مهمين: الأول مع مدير دار النشر علّه يجد من ضيقه مخرجًا، والثاني مع صديقه الدكتور أمجد عمار (طوق النجاة) المتمثل أمام يحيى. ولم يوفق في الميعادين.
……….
3_ تفاقم الصراع Rising action
النقطة الدرامية ما قبل ذروة الصراع حين تم عرض يحيى علي دكتور أمجد وكانت حالته علي ما تبدو غير مستقرة: شخص يهاب الموت تم تشخيص حالته علي أنها وسواس قهري. تلك الفكرة التي تتحول لدي يحيى إلي هاجس الإقبال علي الموت، وظل يقاومها حتي انهارت دفاعاته.. آنذاك عرض عليه أمجد طريقة العلاج الجديدة، وأظلم الكون في عينيه.
……….
4_ الصراع Conflict
تشهد الرواية 3 أنواع من الصراع الدرامي:
1/(انسان_انسان).
عاش يحيى حياته وسط صراع كبير مع من حوله من بني البشر. بداية من زوجته التي اذاقته مر العيش وملله بعد أن فقدت الأمل في الإنجاب، إلي أن انتهت علاقتهما بالطلاق، مرورًا بمن حوله من أهله، جشع وطمع عمه عطوه، ومكر أخيه ناجي ذلك اللعين الذي جعل يحيى يشهد الموت حيًا بنبض صفر، وأفسد خطة علاجه بعد أن تآمر علي قتل أمجد، وأوشكت جثة يحيى أن تُسرق من قِبَل مافيا الجثث دكتور أنس، وتمرد نرجس علي فرحة المسكينة التي طالما أحبها يحيى، والشيطانة الألمانية إيفلين ذات الشعر الأحمر لعبت دور رأس الحية التي تلدغ ولا يراها أحد.
2/(انسان_نفسه).
ظل يحيى يصارع مرضه من حين لأخر، يهرب نفسه و هواجسه ويهيم في الشارع تاره، ويألو لجده رفعت تاره أخري.. فلم يجد حلًا ينقذه سوي طريقة العلاج الشنيعة فلا مفر منها إن كانت هي الوحيدة التي تنجيه من مهالكه.
3/(انسان_بيئته).
ظهر هذا الصراع جليًا في أيهي صوره حين نجا من الموت وصحا وفتّك كفنه بيديه، ونهض من علي عظام الموتى التي كان يتكأ عليها نومًا..و ها هو يخرج من قبره عاريًا مواجهًا عراء الكون وسط مقابر الموتى.. وعاد بعد أن سُلبت منه روحه وشخصه وكينونته في عالم الأحياء؛ فهل سمع أهل طحا من قبل عن شخص صحا من الموت مسبقًا؟!
…………..
5_ ذروة الصراع Climax
النقطة التي تمثل أعلي منحني الصراع الدرامي لحظة أن أُغلق القبر علي يحيى وفشلت خطة رجوعه وتوقف قلبه عن النبض وتوقف قلب القراء معه أيضًا.
……………
6_ التشويق Suspense
وضح هذا العنصر وضوح الشمس في رواية «النبض صفر»، بل هو عمود وركن أساسي من أركان هذه الرواية إلي أبعد مدي ممكن التخيل. فنراه متمثلًا في بداية الرواية عند استعمال تقنية تغيير الترتيب الزمني Flashback للإثارة والتشويق، وأيضًا بلغ الذروة والحد الأقصي حين غلق القبر علي يحيى وعدم سريان الخطة كما اتفق عليها ناجي مع يحيى وأمجد، وظل في القبر وحده متعلقًا بين أنفاس الحياة والموت، نجدها أيضًا في اللحظات التي فجر فيها يحيى الحقائق في الحلقة الأخيرة من برنامجه علي الهواء مباشرةً، وفي المطار حين نجحت خطته مع الشرطة وجبران. وأخيرًا، إن أردنا التحدث عن عنصر الإثارة والتشويق فيكفي أن نذكر أن البطل تحققت معه فكرة البعث بعد الموت!
………
7_ النتيجة المنطقية للصراع
The falling action
عندئذ هبوط منحني الصراع إلي أدناه تدريجيًا تمهيدًا لتقديم نهاية الرواية بشكل منطقي، ونجدها هنا في الأحداث الأخيرة التي أنهت معظم المشكلات، تم معرفة مصير أمجد الذي مات علي غير العادة والسر وراءه وعصابه الإتجار في الموتى، وتآمر إيفلين وخداعها لناجي بأمر من يحيى، وما دار في الحلقة الأخيرة من برنامج يحيى.
………….
8_ تقديم النهاية Denouement
لا بد أن يأخد كل كاذب وماكر وخادع نصيبه فيما فعل..
ها هو ناجي قد تآمرت عليه إيفلين وأعطته التركيبة بأمر من يحيى، ثم نجاح خطة يحيى مع الشرطة وجبران كي تقع الشيطانة في الفخ ويتم البض عليها.
*********
«الشخصيات Characters»
1_ البطل protagonist
يحيى الطحاوي، مريض نفسي بمرض الخوف من الموت، اتبع مع طبيبه طريقة جديدة للعلاج فانقلبت حياتخ رأسًا علي عقب.. برع الكاتب في رسم مأساته للقارئ بعبقرية شديدة؛ بجانب أنه مريض نفسي فهو أيضًا يعاني من جشع و قهر البشر له وجعله يهيم مع نفسه وهواجسه يتخيل فيها أحبابه ويكلمهم من عالم الأحياء إلي عالم الموتى ينقل لهم عواطفه ويبثونه مواساتهم له، إلي أن نزل لهم بالفعل وأصبح حاله من حالهم.
2_ الشخصية الفرعية Minor Character
الشخصية الفرعية في الرواية أو الثانوية لا تقل أهميتها عن أهمية الشخصية الأساسية؛ فيدونها لن تقوم الرواية… قام بها كل من: عطوه وفرحات والدكتور أنس وأمجد والحانوتي ومساعديه ومنصور نحات الرخام والشيخ صالح والكلب الأسود الذي يظهر في هواجس يحيى وضباط النيابة وكل أفراد الطحاوية من كان لهم دور في الرواية.
3_ الشخصية المعادية للبطل Antagonist
يقوم بدورها ببراعة شديدة جدا تم توظيفها من الكاتب في شخصية ناجي الطحاوي، ذلك المحامٍ المكار.
4_شخصية Foil Character
ذلك النوع من طراز الشخصيات المهمة التي تضفي حيوية للرواية، وتتجلي أهميتها غالبًا في اختلافها وتمردها وتغييرها لسريان الأحداث علي الخط الدرامي للقصة، ومعاكستها للبطل وكسر القواعد، نجدها هنا متمثلة في نرجس المتمردة وربما في إيفلين أيضًا.
5_ الشخصية المتطابقة parallel character
في الأغلب تكون يد البطل اليمنى، وظهره وسنده في الشدة، تشاطره الحكي، وتهون عليه أوقاته، وتشد من عزيمته…. ويقوم بدورها هنا الجد رفعت الطحاوي، و رزق، ذلك الشاب المسيحي الذي رزقه الله البصيرة.
6_ الشخصية الديناميكية Round Character
تتمثل في يحيى الذي انقلب فجأةً حين قرر أخذ حقه من المجتمع والناس بالنصب عليهم عن طريق برنامجه، تحول صاحب دار النشر من شخص رأيه في يحيى أنه غير مؤهل أدبيًا حتي يكتب أصلًا، إلي شخص يري يحيى في ثوب الكاتب الملهم؛ فلديه الكثير من القصص عن رحلة عودته لعالم الأحياء.. القصة التي ستجلب له الكثير من المال والشهرة، و خالد الصديق والصاحب الأمين الذي سرعان ما تحول إلي عميل سري لفضح يحيى للصحفية والخروج بالكثير من أسراره، وحتي إيفلين تحولت من امرأة مخلصة ومحبة لزوجها أمجد إلي ماكرة متآمرة ساهمت في قتله.
7_ الشخصية الثابتة Flat Character
أولئك الذين يتمتعون بتلك الشخصية هم أصحاب النفوس الهادئة الطيبة، لا يتأثروا بمجتمعهم الجشع، إن تبدلت جلودهم فنفوسهم كما هي خلت منها الغرائز الإنسانية، هم أكثر من حافظوا علي فطرتهم التي ولدوا عليها، رفعت الذي هجر الدنيا وملاذها وراح يقطن في مسجد وسط الموتى… فرحة الأنثي التي كانت تمتلك عقلًا يصغر سنها بعدة عقود علي الأرجح؛ فبالرغم من كبر سنها إلا أن عطفها لم يتغير علي أغلي الناس لديها.. رزق المعتوه انتزعه الله الهيبة والصحة والمال لكنه وهبه البصيرة التي تفوق كل النعم ثمنًا وتقديرًا.
***********
«السيناريو Dialogue»
قد يري البعض أن الكاتب باستخدامه اللغة العامية في حواره، أضعف جودة صياغة الجمل الحوارية، وأفسد هيبة وجلال جو اللغة العربية الفصحى الشائع على امتداد الخط الدرامي في السرد…
لكّني أرى استخدام العامية في الحوار هنا في مثل هذه الأجواء مناسبًا جدًا، بل أنها كانت الاختيار الأمثل؛ إذ حافظت علي جو أحداث الرواية، فدعنا نتخيل واحدة من جمل الكاتب: ”يا بني هو الريس نفسه ضامن يكمل في مكانه عشان أضمن لك يافطته تفضل مخلدة؟!“..تلك الجملة كانت علي لسان منصور نحات الرخام، فستجد هنا أن منصور ومعظم من حوله من الطبقة الوسطي وربما من الدنيا فإننا لا مجد للعربية الفصحي محلًا من حوارهم وكلامهم أبدًا وإلا سنفسد عنصر إقناع القارئ بما يقرأ، ومن ثَمَ تواجد خلل في واقعية الحكاية التي يتم روايتها.
**********
«وجهة النظر ونظرية السرد القصصي Narrative »
تشاطر الكاتب الحكي مع بطل الرواية في سرد الرواية لنا مستخدمًا تقنية وجهة النظر بالضمير الأول بصوت البطل، ثم بالضمير الثالث باستخدام الأسماء وضمائر الغائب ، مما عمل علي إضفاء حيوية السرد وتنوعه من حين لأخر.
*********
«المكان والزمان Setting»
تدور حداث الرواية الأساسية في قرية طحا حيث إقامة تلطحاوية، وشقة الحسين، والمقابر التي تم زيارتها أكثر من مرة وعاش البطل بنفسه فيها فترة من عمره ولو كانت تقدر بالساعات. أما عن الحقية الزمنية فكانت بين 1 فبراير: 11 نوفمبر 2006.
**********
«الأفكار(الأهداف)الرئيسية للرواية Themes»
1/ الموت.
تعد مقاومة الحياة وعدم الخوف من الموت هي الرسالة الأساسية القائمة عليها الرواية، ويوضحهت وويوضحا الكاتب بذكره لجمله (برتولت بريشت) : ”لا تخف كثيرًا من الموت، بل من الحياة الناقصة“… وعلي غرار ذلك الحديث جعلنا الكاتب نشعر بيحيى وتصديق قصته بالفعل، بل أننا كدنا نشم رائحة الموت معبقةً لصفحات الكتاب تطالبنا بفكرة عدم الخوف من الموت لأنه قادم وإن تأخر.. و البعبع الوحيد الذي يجب أن نخشاه هو (بعبع الحياة الناقصة).
2/ الحب.
قوة من القيم الإنسانية السامية التي لا بد أن تشيع في أي عمل أدبي أو حتي في الحياة الواقعية؛ إذ كانت القوة المنبعثة من قلب فرحة تواسي بها يحيى وتشد من عزمه وتفيقه بعد كل غفوة وترشده للصواب ، كان الحب وحده يؤنسه وهو يهيم في ظلام الليل إلي مسجد للذهاب للمسجد للقاء حده رفعت كلما تشوق له، وبالقوة ذاتها وقع في حب إيفلين.
3/ الشر.
من القوى المعادية للإنسانية، ولا بد أيضًا أن تواجه أبطال العمل الأدبي، وتتمثل هنا في عطوه وناجي الذين طالما طمعوا في العمودية لدرجة أن ناجي أدخل أخيه القبر حيًا بنفسه. و دكتور أنس الذي يظهر بوجهه الثاني مع عصابته ومافيا الجثث، وإيفلين التي غدرت بكل من حولها.
4/ الجزاء من جنس العمل.
فقد رأينا ناجي في ثياب الموت أخيرًا بعدما ألبسه ليحيى سابقًا وخدعه في البداية،لكن حقيقة الأمر أن ناجي كان يجرب عليه طريقة العلاج الغير مضمونة نتائجها، وفعل فعلته وها هو يلقى الجزاء من نفس جنس العمل، فقد أذيع خبر وفاته بعد عملية تآمر بين إيفلين ويحيى وتم دفنه وخرج مرة أخرى لعالم الأحياء ليواجه نفس المصير الذي جعل أخيه عليه من قبل.
5/ الإنسانية بين حين وآخر.
يظل الإنسان تافهًا بلا قيمة إلي أن يكتشف الناس موطن تفاهته بالتحديد ويصبح ذا قيمة. يحيى الشاب الذي تاه عند مفترق الطرق بين مرضه وتوبيخه من صاحب دار النشر وطغيان عائلته وأقرب الناس إليه وحتي زوجته البائسة، آنذاك لم يجد أحد ليكتشف أي ميزة يمتلكها ليحيا حياة طبيعية. والمريب في الأمر أن هؤلاء الذين لم يتقبلوه حينما كان حيًا، راحوا يتكالبون علية في نهم عندما سمعوا عن عودته من عالم الأموات إلي الأحياء: الأمر ذاته الذي سيجلب لهم المال والشهرة… وسرعان مانقلبت حياة يحيى مرة ثانية، وكل هذا بفعل من حوله لكنه في الحقيقة لم يكن يحلم بحياة أكثر من الحياة.
**********
من الرواية :
”حياتك بين كفتين؛ البصر والبصيرة.. لحظة الموت كفة البصيرة بتطُب، غشاوة البصر بتنجلي، بتتمني لو كل الناس تيجي تشوف الحياة بعنيك؛ لحظة الموت قادرة تلين قلب فرعون وتعلَّمه الدرس متأخر، قادرة تحولك من ملة للتانية ومن تفكير للتاني، لحظة الموت فاس إبراهيمي قاسي بيهد كل أصنام حياتك، لحظة تجلَّي مهما حاولت تحيد عنها هاتفضل هي الحقيقة الثابتة.. البني آدم الصح هو اللي بيدركها قبل ما يتخلد في عذاب غفلتها“.