"قلة أدب" تامر حبيب

facebook فيس

“حاجة قلة أدب”.. تعبير مزدوج يُستخدم أحيانا لوصف حالة الإعجاب الشديدة إلى جانب مدلوله الأصلي وهو الذم.. اطمئن المقال ليس بحثا في اللغة أو تفنيدا لقاموس العامية المصرية الحديثة وعجائبه.. ما يشغلني أكثر هو المعايير التي نحدد بها “قلة الأدب” من الأساس . ما يجعلنا نستنكر برامج الدكتورة هبة قطب الدائرة حول الجنس بشكل علمي، في الوقت الذي نستمتع فيه بالنكات “الأبيحه” بين أصدقائنا.. تعالينا على الرقص الشرقي على اعتبار أنه ممارسة منحطة وعمل غير شريف في الوقت الذي نحرص فيه على استجلاب راقصات لإحياء أفراحنا سواء كانت فوق السطوح أو في فنادق الخمس نجوم.

 

بعد فض مولد المسلسلات الرمضاني قررت أن ابدأ مشاهدتي الخاصة التي تأخرت لعدة أسباب.. هل سيهتم أحد بتحليل مسلسل مر على عرضه أكثر من شهرين.. احتياطيا لن أحلل.. لكن اتهامات الإباحية التي أججها تنويه (+ 18) دفعني للتساؤل عن “قلة الأدب” عند نهاية كل حلقة من مسلسل “لا تطفئ الشمس” كأكثر مسلسلات هذا العام اتهاما بها دون أن اقتنع بأكثر من احتمال يقول “يمكن في الحلقة اللي بعدها”.

 

هل شاهدتم سهر الليالي.. حب البنات.. طريقي.. جراند أوتيل.. رابط واحد يجمع تلك الأسماء هو تامر حبيب مؤلف “لا تطفئ الشمس” نسخة 2017.. السؤال: هل يمكن أن ينشز فجأة من قدم في تلك الأعمال عزفا دراميا وحواريا بالغ الرقي والرقة.. الآن انتهيت من مشاهدة المسلسل.. الحزن الحقيقي هو ما أشعر به رغم نهاية الأحداث السعيدة.. فقد انتهت كل تلك الرهافة.. كل هذا الإبداع.. سأعيده مرات أخرى بالطبع.. لكنني أنعي مفاجأة المشاهدة الأولى.. صياغة حبيب المتهمة زورا بقلة الأدب هي الأرقى والأكثر عذوبة وشاعرية منذ سنوات.. بل إن العظيمة كوثر هيكل مبدعة أيقونات الرومانسية في أفلامنا مثل (امبراطورية ميم) و(العذراء والشعر الأبيض) و(على ورق سوليفان) و(حبيبي دائما) أصبح لدينا أخيرا من يضيئ شمسها مرة أخرى.. تامر لا يقلد الكاتبة العظيمة فله بصمته المستقلة الخاصة، لكنه شغل الفراغ الذي افتقدنا فيه أعمالا تقدم هذا المزيج المبهر بين الرقة الجريئة أو الجرأة شديدة الرقة.


حوار تامر قليل الأدب فعلا لكن بالمعنى الإيجابي للتعبير وليس السلبي في رأيي.. بلاش قليل الأدب.. فلنقل رائع.. بديع.. بالغ العذوبة والشجو.. شخصياته المصر على تحررها من المخاوف والقبح.. تعبيراته الخالية تماما من الفجاجة أو الإقحام الملتصقة تماما بكوامن الشخصيات ودوافعهم و عقدهم، لاحظ مثلا الحوار بين فيفي (ريهام عبد الغفور) وإنجي (أمينة خليل) عن الغريزة.. إنجي وزوجها يوسف (أحمد مجدي) عند اعترافها له بتأرجح مشاعرها بينه وبين صديقه.. بل إن موضوع بالغ الحساسية هو المثلية الجنسية يتم تناوله بشكل هو الأرقى والأبعد عن الابتذال مع ذكاء شديد في اختيار أجواء المشاهد، مثل اجتماع البطلين في حمام السباحة حتى لا يبدو تعريهما مقحما أو فجًا.


مثلية.. علاقات جنسية خارج إطار الزواج.. عاطفة متبادلة بين أشخاص متفاوتين عمريًا.. موضوعات جريئة لا شك.. لكن المشكلة في اعتقادي هي طرحها في إطار لا يروق كثيرا للبعض، بالإضافة إلى رفض التطرق إليها من الأساس لدى البعض الآخر.. في الطفولة كنا نواجَه بتحذيرات أبوية من عينة “الفيلم ده فيه قلة أدب”، وفي المراهقة ظلت أفلام نادية الجندي تمثل لدى جيلي أقصى مستوياتها.. وقتها لم نكن نعرف الفرق بالتحديد بين الجرأة و الفجاجة.. الآن تعشق والدتي سعاد حسني وتتابعها مسحورة مثلما أعشق أنا شريهان، لكنها تنفر من المشاهد الحديثة الأقل جرأة من مشاهد السندريللا تماما، مثلما أكره رقص موديلات الفيديو كليب البلاستيكيات بينما أجن انبهارًا برقي فن شريهان.

تماما كما يدفع مليونيرات العالم لاقتناء لوحات رينوار العارية مئاب الملايين من الدولارات بينما تباع مجلات البلاي بوي والجنس على أرصفة الشوارع بملاليم رغم أنها أكثر سخونة.. إنه الخيط الفاصل بين إثارة الغريزة والتعبير عن الغريزة، ثم التعبير لماذا و كيف أو ما يسمى بالهدف و التناول، لاحظ مثلا مشاهد تحية كاريوكا في (شباب امرأة) أو نادية لطفي في (على ورق سوليفان) و بين مروة في (أحاسيس ) أو ناهد شريف في (ذئاب لا تأكل اللحم).. وقتها ستتأكد من السبب الذي جعل تامر حبيب لاعبا فذا في فريق كوثر هيكل، وحيد حامد، سعد الدين وهبة وغيرهم من أكابر الحوار والدراما المصرية.