أن تحضر فيلم مصري في قاعة عرض سينمائي كويتية فمن المؤكد أن تخرج وعندك انطباعات مختلفة عن هذا الفيلم تستمدها من تفاعل الحضور من الجنسيات المختلفة مع ما شاهدوه على الشاشة، فبالتالي ما سوف استعرضه في السطور التالية ليس نقد للفيلم بقدر ما هو انطباعاتي كمشاهد محب للسينما بشكل عام ومتذوق لها بكامل تفاصيلها، ولنقسم معًا مميزات وعيوب هذا الفيلم من وجهة نظري في نقاط، ولنبدأ بالمميزات العشرة للفيلم:
1- عودة للفنان “محمد سعد” كممثل تراجيدي حيث لعب دور قيادي في البوليس السياسي ما قبل ثورة 1952،وذلك بعيدًا عن أدواره الكوميدية المبنية على تشخيصه للشخصيات الهزلية مثل “اللمبي” و”عوكل” و”كركر” و”بوحة” وغيرهم، وكنا قد نسيناه كممثل تراجيدي منذ فيلم “الطريق إلى إيلات” عام 1993، ومسلسل “من الذي لا يحب فاطمة” في نفس السنة، وتلك الأعمال مر عليها زمن بعيد.
نرشح لك: مينا فريد يكتب: “الكنز”.. عندما أصبح محمد سعد أعلى الترابيزة
2- عودة للفنان الكبير “محيي إسماعيل” في دور كبير الكهنة في عهد الملكة “حتشبثوت”بآداء رائع يجعلك تشعر أنه اتولد كاهن في معبد فرعوني وهذا ليس بجديد عليه فمازال محتفظ بطلته على شاشة السينما حتى الآن، وعلى ما أذكر كانت آخر أعماله السينمائية قبل هذا الفيلم، فيلم “حد سامع حاجة” مع النجم “رامز جلال”عام 2009، أي منذ 8 سنوات وهي فترة غياب طويلة عن السينما.
3- النجم “محمد رمضان” في نوعية من الأدوارالتاريخية الشعبية التي لم نراه فيها من قبل، حيث لعب شخصية “على الزيبق” ووالده “راس الغول”، وقد لعب الدورين باتقان، وهي شخصيات روت السير الشعبية قصتهما، ولأول مرة نشاهد “رمضان” يمتطي الحصان كفارس بمنتهى المهارة، كما نراه مبارز بالسيف، وقدّم مشاهد المبارزة التي لم نراها على شاشة السينما المصرية منذ عهد أفلام مثل “الناصر صلاح الدين” وفيلم “وا إسلاماه”، كما نراه أيضًا في نوع مختلف عنه في الأكشن حيث يتسلق الجدران ويقوم ببعض الحركات الاكروباتية الهوائية في أثناء المعركة مستعرضًا لياقته البدنية.
4- عودة للفنان “عباس أبو الحسن” إلى شاشة السينما بشكلٍ ملحوظ، في شخصية “الكلبي”، شخصية الشرير خصم “على الزيبق”، وهذه النوعية من الأدوار يلعبها “أبو الحسن” باقتدار منذ أن لمع نجمه في فيلم “مافيا” لنفس المخرج “شريف عرفة عام 2002 بدور “الجزار” القاتل الأجير.
5- عودة لنجم الأكشن القديم وبطل كمال الأجسام “الشحات مبروك” حيث كانت آخر أفلامه بالسينما فيلم “علقة موت”عام 2009 من اخراج “ماجد نبيه” أمام بطل المصارعة الراحل “ممدوح فرج” وهو فيلم قليل التكلفة ولم يلقِ النجاح المرجو منه آنذاك، ولكن تم توظيف “مبروك” في فيلم “الكنز” بشكل جيد بما يتناسب مع تكوينه الجسماني والمرحلة العمرية التي يعيشها حاليًا في مشاهد الأكشن، كما جاء آداءه الدرامي التمثيلي جيد جدًا.
6- النجمة “هند صبري” لعبت دور الملكة “حتشبثوت” باقتدار، ومن الطريف أن تلعب في الدراما التلفزيونية دور “كليوباترا” ممثلة سورية، وأن تلعب في السينما دور “حتشبثوت” ممثلة تونسية، ولم لا فلقد لعبت دور كليوباترا في السينما العالمية الممثلة الامريكية “اليزابيث تايلور”، “هند صبري” قامت ببعض مشاهد الأكشن في الفيلم، وهي المرة الأولى التي نراها فيها تلقي بالحربة وتضرب بالسيف، ويعتبر هذا الفيلم إضافة لها فهذه المرة الأولى أيضًا التي نراها فيها تلعب دورًا لشخصية تاريخية .
7- الفنان “هاني عادل” يلعب أيضًا نوعية جديدة عليه من الأدوار، حيث لعب دور المهندس الخاص للملكة “حتشبثوت”، ولعب أيضًا مشهد أكشن لا بأس به حيث المبارزة بالحربة.
8- الفنان “أحمد رزق” لعب من قبل أدوارًا تراجيدية في الدراما التلفزيونية، ولكن أغلب أدواره السينمائية قبل هذا الفيلم كانت كوميدية لذلك يمكننا أن نعتبر هذا الفيلم بالنسبة له انطلاقه سينمائية في التراجيديا الممزوجة بخفة الدم.
9- “أمينة خليل” تظهرفي دور مطربة لأول مرة بعد أن رأيناها تؤدي بصوتها من قبل مع مغني الراب “زاب ثروت”، ظهرت تشدو أغنية على طراز أغاني الخمسينيات التي كانت تغنيها “ليلى مراد” و”اسمهان”، ولكن بصوت المطربة “نسمة محجوب”، ولكنها اقنعتني كمشاهد كما لو كانت هي صاحبة الصوت وهو ما يحسب لها كممثلة.
10- المخرج المايسترو “شريف عرفة” يحسب له إعادة “تدوير” مواهب كل من سبق ذكرهم، وإتاحة الفرصة لهم من خلال النص الذي كتبه كقصة سينمائية مأخوذة عن نص للمؤلف عبد الرحيم كمال، لذلك تم تقديم كل هؤلاء في أدوار لم يلعبوا مثلها من قبل، وهو ما يحسب للفيلم وصناعه.
وبعد أن سردنا مميزات فيلم “الكنز” إليكم عيوب الفيلم الثمانية من خلال تفاعل الجمهور كما ذكرنا داخل قاعة العرض بالكويت:
1- الصورة الذهنية السابقة عن “محمد سعد” كممثل كوميدي يقدم الأدوار الهزلية لفترة طويلة جعلت الجمهور يضحك لمجرد رؤيته يمثل بشكل جاد، فلقد كانوا يضحكون في مشاهد لا تدعو إلى الضحك بالمرة خاصة أنه في بعض المشاهد التي ينفعل فيها “سعد” كان يتحول لشخصية “رياض المنفلوطي” قائد السجن في فيلم “اللي بالي بالك” مما آثار ضحك الجمهور.
2- المكياج رديء للغاية خاصة مكياج “هيثم أحمد زكي” ومكياج “أحمد رزق” ليظهروا طاعنين في السن، ولا أعتقد أنه تم الاستعانة بخبير مكياج أجنبي وإن كانوا قد استعانوا بأجنبي ففي هذه الحالة يقع العيب على الإضاءة والتصوير الذي أظهر أنه مكياج، وذلك بالإضافة إلى كل “باروكات” و”شوارب” الممثلين بالفيلم التي كانت من الواضح جدًا أنها “ملصوقة”.
3- الديكور الفرعوني دون المستوى وكان من الممكن التحايل عليه باستخدام “الكروما” أو الشاشة الخضراء الشهيرة كخلفية ثم يتم عليها عن طريق المؤثرات البصرية خلفيات جرافيك متقنة تبدو أكثر إبهارًا، مثل هذا الديكور الذي ظهر بالفيلم يصلح لمسلسل تلفزيوني في التسعينيات وليس لفيلم سينمائي عالي التكلفة في عام 2017.
4- تواجد فيلم يجمع بين “محمد رمضان” و”هيثم أحمد زكي” يعتبر مجازفة خاصة أن الاثنين عند العقل الجمعي خارجين من رحم مدرسة الراحل “أحمد زكي” وهي ليست المرة الأولي الذي يجمعهم عمل فقد اجتمعوا من قبل في مسلسل “الجماعة” الجزء الأول، ولكن أن يجمع المخرج “شريف عرفة” بين ممثل شاب يلعب دور “السادات” مع “هيثم زكي” في مشهد واحد فلقد كان مشهد مفاجيء ومشتت خاصة أن آداء ذلك الشاب للسادات جاء كوكتيل بين آداء “أحمد زكي” وتقليد “محمد رمضان” له فظهر شبه كوميدي، لا هو متقمص لشخصية السادات ولا هو مقلد لكل ما سلف ذكرهم.
5- الفيلم طويل جدًا ومتشابك الأحداث فهو يروي 4 قصص في 4 أزمنة مختلفة مما يجعل المشاهد يشعر بالدوار، ولقد لاحظت خروج بعض الحضور من قاعة السينما بعد مرور ساعة من الفيلم ويبدو أنهم وجدوا أنفسهم في متاهة من الأحداث ولم يستوعبوا فانصرفوا، خاصة أن الفيلم يروي أحداث تاريخية وشعبية للشعب المصري ويخاطب الثقافة المصرية والوجدان المصري بشكل مباشر.
6- نهاية الفيلم لا تصلح لنهاية فيلم سينمائي من المفترض أن تشاهده فتخرج منه مستمتع بقصة لها أول وآخر، النهاية تصلح كنهاية سهرة تلفزيونية على جزئين سوف تشاهد الجزء الثاني منها غدًا، وليس بعد عدة أشهر أو ربما عام في موسم عرض أفلام العيد المقبل، ويبدو أن السبب في ذلك أن الفيلم في الأساس كما سمعت تم تصويره كفيلم واحد ليس له جزء ثانٍ ولكن بعد المونتاج اكتشفوا أنه تعدى الأربع ساعات مما جعل صناع الفيلم يقسموه إلى جزئين، لذلك نهاية الجزء الأول افتقدت الحبكة التي تجعله منه فيلمًا ممتعًا إذا ما شاهدته مستقلا.
7- ظهور بعض العبارات الدينية على جدران “الكباريه” حيث كانت تغني “أمينة خليل” بالرغم من الإضاءة الخافتة إلا أنها ظهرت، ولا أعلم المكان الذي تم تصوير فيه هذا المشهد.
8- لا يندرج هذا الفيلم تحت تصنيف الفيلم الجماهيري أو الفيلم المسلي لأنه يحمل رسائل وفلسفة اقتربت بنا لمنطقة كان يلعب فيها قديمًا المخرج الراحل” يوسف شاهين” منفردًا.
فيلم “الكنز” به 10 مميزات و8عيوب (من وجهة نظري)، إذًا هو فيلم جيد لأن مميزاته أكثر من عيوبه، وأنت كمشاهد قد تجد مميزات أخرى لم آراها، وقد لا تجد أي عيب من تلك العيوب التي ذكرتها.