نقلًا عن جريدة “الخبر” الجزائرية
بدأت العديد من الدول الأوروبية والعربية تعلن تباعا عن أسماء الأفلام التي ترشحها لتمثيلها في مسابقة أحسن فيلم ناطق باللغة غير الإنجليزية “أوسكار أحسن فيلم أجنبي”، واختارت السويد فيلم “المكعب” للمخرج روبن أوستلوند الحائز على السعفة الذهبية لهذا العام، واختارت ألمانيا فيلم “إن ذو فيد” للمخرج ذي الأصول التركية فاتح أكين، واستقر اختيار بلجكيا على فيلم “الوفي” للمخرج ميشال روسكام، بينما كانت فلسطين أولى الدول العربية التي تعلن عن اسم مرشحها هذه السنة، ووقع اختيارها على فيلم “واجب” للمخرجة الفلسطينية آن ماري جاسر.
في انتظار أن تعلن أكاديمية الأوسكار، منتصف شهر ديسمبر القادم، القائمة القصيرة للأفلام التسعة المرشحة لجائزة أوسكار أحسن فيلم أجنبي، تكثف جهود اللجان العربية لاختيار الفيلم الأمثل، حيث يكون الوصول إلى تاريخ 23 جانفي 2018 وإعلان القائمة القصيرة حلما يتجاوز حدود طموح المخرجين، لهذا عندما أعلن السنة الماضية عن فوز المخرج الإيراني أصغر فرهادي بالجائزة عن فيلمه “انفصال”، شكل ذلك حدثا إيرانيا مرصعا بالذهب في تاريخ الجمهورية. نقدم في هذه الورقة قراءة في الأفلام الأكثر حظا وحضورا عربيا لعامي 2016 و2017.
الجزائر.. الخيار الوحيد
تظل المهرجانات العالمية، من كان وبرلين وفينسيا وكندا، بوابة الاختيار الأول، ولا تملك الجزائر الكثير من الاختيارات هذه السنة، إذ يجد رفاق المخرج لخضر حامينا وأعضاء لجنة الاختيار صعوبة في الاختيار أمام المنتج الوطني من الأفلام الطويلة، ولا يوجد هذه السنة إلا فيلم واحد ينافس نفسه، هو فيلم “في انتظار السنونوات” لكريم موساوي، ومن المستحيل توقع اختيار فيلم “بن باديس” للمخرج السوري ليمثل الجزائر أو باقي الأفلام المنتجة مؤخرا، لأنها بالإجماع أفلام “ضعيفة” ولا تليق باسمها وتاريخها السينمائي، وبلا شك ستعلو أصوات المسؤولين في الثقافة لاعتبار اختيار كريم نوعا من الكرم منهم ودعما للشباب وتشجيعا لهم.
وصول كريم موساوي للمربع الذهبي دون منافس في سباق التميز هذه السنة يعكس عنايته بربط علاقة مميزة بين الكاميرا والسيناريو والكاستينغ من جهة، ومن جهة ثانية ربط علاقات قوية مع المنتجين الأكفاء في الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط، ما يدفع بتجربته السينمائية لتصدر المشهد عن جدارة بعد دخوله مسابقة “نظرة ما”.
مشكلة الأفلام الجزائرية هذه السنة لا تنحصر فقط في حدود اختيار الفيلم الذي يمكن التقدم به للترشح للأوسكار، بل أيضا على مستوى المهرجانات العربية التي لم تعد تجد أفلاما جزائرية قادرة على دخول المسابقة، مثلا مهرجان القاهرة ومهرجان الجونة الذي تم استحداثه في مصر مؤخرا يواجه هذه المشكلة، ولم يختر فيلما جزائريا لعرضه في دورته الأولى، وستنعكس الأزمة وحظوظ الجزائر على مهرجان دبي أيضا، ويبقى الأمل معقودا على ما ستجود به كاميرا أحمد راشدي وبشير درايس، وهي الأفلام الأكثر ترقبا خلال المرحلة القادمة، وعدا ذلك فإن ما ينتج بات يصنف متواضعا على المقاييس الفنية أو مستهلكا بالنسبة للمهرجانات القادمة التي تشترط العرض العربي الأول.
السينما التونسية والمغربية على المحكّ
بالنسبة للسينما المغاربية فالأمر لا يختلف كثيرا هذه السنة عن الأعوام الماضية، فالمغرب يقف هو الآخر عند حدود الاختيار الوحيد، وهو فيلم “ضربة راس” للمخرج هشام العسري الذي يناقش مسألة الهوية، وستميل الكفة إلى العسري هذه السنة، لما يحمله الفيلم من تقدير واعتراف دولي، خصوصا بعد عبوره بوابة مهرجان برلين وتحقيقه التميز.
وبالنسبة للسينما التونسية، فلن يجد “القرطاجيون” أحسن من المخرجة وفيلمها “على كف عفريت”، وسيكون الاختيار محصورا بين 3 أعمال تونسية منها أيضا “غدوة حي” للمخرج لطفي عاشور وفيلم “تالة مون أمور”، ولا نتوقع أن يحدث الجدل والصراع في تونس مثل السنة الماضية، فقد أحدث الأوسكار شرخا كبيرا بين جيلين من السينمائيين التونسين، جيل قديم أراد أن تميل الكفة إلى صالحه وسعى جاهدا لتحقيق ذلك بفيلم “زهرة حلب” للمخرج رضا الباهي، وجيل جديد قدم فيلما وُصف بفيلم السنة في تونس مع المخرجة التونسية الشابة ليلى بوزيد بفيلمها “على حلة عيني”، ومما لا شك فيه أن المركز الوطني للسينما والصورة في تونس لن يكرر نفس غلطة السنة الماضية، ولن يسمح بسحب المشاركة التونسية بسبب الخلافات الداخلية.
“نظرة ما” على الماء والخضراء والوجه الحسن
تجد السينما المصرية نفسها في صراع بين الأفلام التجارية الأكثر انتشارا والأكثر إنتاجا في الفترة الأخيرة، بينما تنحصر قائمة الأفلام التي يمكن أن تحفظ للسينما المصرية سمعتها في 4 أفلام أساسية منها: “أخضر يابس” لمحمد حماد، “على معزة” لشريف البنداري، “الشيخ جاكسن” لعمرو سلامة، وهي أفلام يقف المنتج محمد حفظي وراء نجاحها بعد أن راهن على المعالجة العميقة للمواضيع التي تتناولها الأفلام، ولكن هذا الزخم يلتقي في السباق بفيلم “الماء والخضرة والوجه الحسن” للمخرج يسري نصر الله، “آخر أيام المدينة” لتامر سعيد، غير أن هذا الأخير سيجد نفسه بعيدا عن المنافسة، وسيكون اختياره مفاجأة على جميع المقاييس، خصوصا في ظل الهجوم الداخلي الذي تعرض له ومحاربة عرضه في مصر. والأقرب هو ترشيح مصر لفيلم المخرج يسري نصر الله الذي يعود بقوة في السنوات الأخيرة على مستوى المهرجانات العالمية بعد مشاركته في رئاسة لجنة تحكيم “لوكارنو”، ومشاركة نفس الفيلم في عدة مهرجانات هامة، كما أن المخرج كان له الفضل في أن يدخل 2 من بين 23 فيلما مصريا لمهرجان كان، فقد وصل يسري إلى مسابقة “نظر ما” مرتين بفيلم “سرقات صيفية” عام 1988 وفيلم “قبل الموقعة” عام 2012.
ويحظى فيلمه الجديد “الماء والخضراء والوجه الحسن” بكل مقومات العمل المصري الذي يجعله الأقرب ليرشحه أعضاء لجنة الاختيار المصرية لتمثيل السينما المصرية في الأوسكار، بعد أن استقرت السينما المصرية السنة الماضية بالإجماع على ترشيح فيلم “اشتباك” للمخرج محمد دياب، ما اعتبر انتصارا للسينما المصرية وخطوة غير مسبوقة بعد وصوله إلى كان. وبالتركيز على حظوظ لبنان والأردن، فإن القائمة لن تخرج من هذه العناوين الثلاثة “بالحلال” للمخرج أسعد فولادكار لما يتناوله من موضوع تناول الزواج والجنس والدين في المجتمع العربي الإسلامي، شأنه شأن فيلم “ورقة بيضا” لهنري بورغس و “محبس” لصوفي بطرس الأردني اللبناني.
المفاجأة سعودية و “السبات” موريتاني ويمني
لا نتوقع أن تحمل الترشحيات العربية هذه السنة مفاجأة كالتي جاء بها اليمن بفيلم لخديجة السلامي، فالدول التي تملك فرصة تقديم مرشح لها لمسابقة الأوسكار هي مصر والجزائر والمغرب وتونس ولبنان وفلسطين بدرجة أولى، والأردن، وسوريا ستختار من بين مخرجي الدولة على غرار باسل الخطيب أو جود سعيد، أما العراق فإن حضوره سيكون كعنوان الفيلم العراقي الأقرب للترشح “العاصفة السوداء” للمخرج حسين حسن، ولا تزال موريتانيا تحن إلى مفاجأة سينمائية سارة كالتي صنعها “تومبكتو” عبد الرحمان سيسايكو عام 2014، وكالعادة لا نتوقع لباقي الدول أن تقدم مقترحا لضعف التجربة السينمائية على غرار السودان وليبيا والصومال، وهي الدول العربية التي تستيقظ بعد سبات الصراعات والحروب.
بينما لم تسجل دول الخليج خلال العامين الماضيين أي حضور سينمائي بارز، بل أكثر من ذلك فإن البحرين على سبيل المثال لم تنتج فيلما روائيا طويلا منذ عامين، أي منذ فيلم “الشجرة النائمة”، شأنها شأن دولة الكويت التي يصعب عليها تقديم مرشح، أما السعودية فرغم ما تعرفه من تقدم في مستوى الدراما وحضور بأعمال القصبي، فإن مخرجة المفاجآت السينمائية العالمية هيفاء منصور خارج مجال التغطية بعد تجربتها الرائدة عام 2012 مع فيلم “وجدة” الذي اختير ضمن الأفلام المرشحة لجائزة الأوسكار لأفضل فيلم بلغة أجنبية لعام 2013، ليصبح بذلك أول فيلم سعودي يصل إلى هذه المرحلة المتقدمة في أهم محفل سينمائي على مستوى العالم.
وقد انطوت السينما السعودية على النجاح الذي حققه فيلم “وجدة”، ولم تقد هيفاء المنصور عملا جديدا منذ 5 سنوات، لكن ما يرد من هوليوود فإن فيلم “مايك بو” للمخرج السعودي حمزة طرزان يصنع الحدث هذه السنة ويرشح السعودية للأوسكار.