في البداية يجب أن نحيي صناع فيلم “الكنز” بعد أن نجحوا في تقديم سينما مصرية على مستوى عال فنيا ومختلفة عن السائد لتعيد البريق لها ويشجع صناع السينما المصرية على عدم الخوف من تقديم سينما “مغايرة” تليق بتاريخها الطويل والعريق ويقدمون أعمالا تصلح لتمثيلها بالمهرجانات والتظاهرات الفنية الإقليمية والدولية مع الإشارة إلى أن السينما المصرية بدأت في العودة لتقديم أعمالا مختلفة تقدم المستوى الفني على التجاري مثل “الفيل الأزرق ” و “هيبتا” “الأصليين” وبعض الأعمال الدرامية أيضا ولذلك كانت تلك إرهاصات تقودنا لعمل مثل “الكنز”.
الفيلم كان محل ترقب من الجميع بعدما أثير عن أسماء أبطاله وكذلك التسريبات حول طبيعته الفنية وبالفعل جاء العمل مختلفا تماما وبطريقة سرد سينمائي غير مألوفة بالسينما المصرية صاغها بموهبة كبيرة وحوار”بليغ” في أكثر من مشهد المؤلف عبد الرحيم كمال وهو”تجربته السينمائية الثانية” بعد نحو عشر سنوات تخللها أعمالا درامية مهمة وناجحة فجاءت التجربة بخبرة مختلفة للكاتب ومعه المخرج شريف عرفة صاحب الخبرة السينمائية الكبيرة، اختار الكاتب تقديم فيلم “الكنز”من خلال ثلاث خطوط درامية تمثل ثلاث عصور مختلفة في تاريخ مصر، الفرعوني والإسلامي والحديث في الاربعينيات، قصة حتشبسوت وصراعها مع الكهنة حول تولي إمرأة لعرش مصر، وقصة علي الزيبق وصراعه مع الكلبي حول الثأر وظلم الشعب، وأخيراً ضابط الشرطة الذي قاد البوليس السياسي قبل ثورة يوليو ١٩٥٢ والقصص الثلاث يربط بينهم خط درامي رابع في سبيعينيات القرن العشرين.
نجح المخرج في “رواية” الأحداث بشكل جيد جدا رغم ضعف بعض العناصر مثل المونتاج في بعض الأحيان وكذلك إستخدام ديكور فقير سواء في العصر الفرعوني أو في العصر الإسلامي مثل معركة “علي الزيبق” عند ذهابه لخطف الوالي كان اللوكشن فقيرا ولا يليق بالإنتاج الكبير وكان من الأفضل تنفيذ معركة كهذه داخل لوكشن تصوير حقيقي في القاهرة الفاطمية، مع أن المزج بين الإستعراض داخل قصة “بشر” ومعركة علي الزيبق كان جيدا للحديث عن نفس “السلطة” الظالمة مع إختلاف العصور، كذلك وضح جدا ضعف المكياج الخاص بالشخصيات تحديدا “الباروكات والذقن” وهي نقطة ضعف لدينا دائما في الأعمال التاريخية، في النهاية تميزت العناصر الفنية بشكل عام وأجتهدت لتقديم أفضل ما لديها سواء موسيقى هشام نزيه أوديكور أنسي ابوسيف وتصوير ايمن أبوالمكارم وملابس ملك ذوالفقار.
كلاهما “محمد سعد ومحمد رمضان” نجمي لشباك الإيرادات وإن تفوق الأول “سعد” حيث ظل أربع سنوات متتالية نجم الشباك الأول وسط منافسه كبيرة من نجوم جيله او النجوم الكبار، اما رمضان فظهر وسط حالة الكساد التي أصابت السوق السينمائي عقب أحداث يناير ٢٠١١ ونجح في فرض نفسه كأحد النجوم الجدد للسينما المصرية، وكلاهما يعاني من مشكلة “السقوط” في نمطية الأداء وتكرار الشخصيات وعدم التجديد خاصة محمد سعد.
ولذلك كان فيلم “الكنز” مفاجأة كبيرة في إعادة إكتشاف أبطاله ووضح جدا ان المخرج شريف عرفة لديه القدرة على إدارة الممثل وهي من النقاط الإيجابية الكبيرة في الفيلم وتحسب له ولذلك شاهدنا محمد سعد لأول مرة في بطولة مشتركة منذ ١٥ سنة وهو باجماع الاّراء ممثل موهوب جدا ولكنه كان يخشى دائما المجازفة بشخصية بعيدة عما أعتاد تقديمه وبالفعل يعيد شريف عرفة والذي سبق وأكتشفه مع شخصية “الليمبي” في الناظر عام 2000 إكتشاف محمد سعد من جديد مع شخصية مفاجأة للجمهور لرجل البوليس السياسي “بشر” وهنا تظل “كاريزما” النجم هي الفيصل فوضح أن الجمهور لازال “يعشقه” ورحب بهذا التغيير من محمد سعد بل وصفق له على أداءه الرائع لشخصية الضابط “بشر” حتى عندما ارتدى ثوب الكوميديان في مشهد ضجت صالة العرض بالضحك، وكان متناغما معه في الأداء الفنان أحمد رزق في شخصية “مدير مكتبه”، اما شخصية المطربة والتي جسدتها أمينة خليل فكان أداءها مقبولا ولكن ليس في قوة سعد خاصة مشاهدها أمامه وجاء أداءها أفضل في مشاهدها كمطربة على المسرح مع تميز الأغاني والصوت للمطربة نسمة محجوب، بالطبع محمد سعد أكثر الفائزين من هذه التجربة والمشكلة أنه سيجد صعوبة في الخطوة التالية في ظل ترحيب غير مسبوق من النقاد والجماهير بدوره في “الكنز”.
أيضا قدم محمد رمضان أداء متقن وجيد جدا لشخصية “علي الزيبق” وبرشاقة في الحركة أضافت إقناعا للجمهور لصالح الشخصية وإن كان من الأفضل أن يكون ظهوره لأول مرة مع شخصية “علي الزيبق” حتى لا يفقد كاريزما الظهور مع شخصية الأب العجوز “حسن رأس الغول” في عدد محدود من المشاهد كان ممكن لأي فنان تقديمها في بداية الحكاية ، فكانت محبطة لجمهوره الذي كان ينتظره، في كل الأحوال يحسب له في بداية مشواره المشاركة في عمل سينمائي مثل “الكنز” وتسليم نفسه لإدارة مخرج يجيد تحريك الممثلين، كذلك اضافت روبي بظهورها إلى جانب محمد رمضان حالة من الوهج والجاذبية للجمهور ورغم قلة مشاهدها إلا إنها نجحت في ترك بصمة كبيرة وكانت صاحبة الحضور والكاريزما الأكبر بين البطلات الثلاث في العمل وهي مؤهلة تماما لتكون نجمة سينمائية مصرية “مهمة” لو “ركزت” في ذلك الأمر.
أما القصة الخاصة بالفترة الفرعونية “حتشبسوت” والتي جسدتها هند صبري والتي جاء أداءها أقل من المتوقع مناه، فكانت تلك الحكاية هي الأقل في إستقبال الجمهور لها بسبب ضعف مكوناتها من تمثيل لديكور وتصوير فكانت أقل ابهارا عن أعمال يوسف شاهين التاريخية على سبيل المثال! وهو عنصر هام يجب عدم التغاضي عنه في مثل تلك الأعمال السينمائية التاريخية وبرز في هذه القصة على مستوى التمثيل محي إسماعيل.
فيلم “الكنز” يبحث عن أصولنا عبر حقب التاريخ المختلفة التي مرت على مصر بداية من التاريخ الفرعوني وحتى منتصف القرن الماضي وما مر علينا من صراع سلطة وظلم وفساد وأيضا قصص حب! معاني كثيرة تشعر بها في هذا العمل السينمائي تروي تاريخنا بأختصار ما بين الحقيقة والخيال ليكون من أفضل مفاجأت السينما المصرية لعام 2017 وأصبح كل من شاهد “الكنز” في إنتظار الجزء الثاني وكيف ستنتهي الأحداث “الكثيرة” للقصص الثلاثة والتي نجح المخرج في وضع نهايات “مشوقة”جدا لجزءها الأول، الجمهور أستقبل القصص الثلاثة بتباين كبير للأراء ولكن وضح إنجذابه أكثر لرواية رجل البوليس السياسي “بشر” وفترته، رغم تفوق قصة “علي الزيبق” في النهاية خاصة بعد تصاعد الصراع مع الكلبي.