مروة سامي تكتب: "بتوع ربنا"

أتأمل ذلك الرجل الذي يقود ميكروباص الترامكوا (تلك الماركة التي لا توجد في أي مكان في الكون إلا في مصر و التي يشاع أنها إعادة تدوير لصفائح السمن.. تستطيع التأكد بنفسك إذا خربشت طبقة الدهان الرقيقة البيضاء) ربما يكون ذلك هو سبب ارتفاع ضغط الدم و الإصابة بالكوليسترول و الدهون الثلاثية لمن اعتاد ركوب تلك العربة .. ينطلق بها سائقا مطلقا لحيته على خلق الله بشكل مخيف للأطفال و ذوي القلوب الضعيفة، يمضغ عوداً من الخشب و يتفل بقاياه في كل اتجاه معتقدا بذلك أنه يطيب رائحة فمه .. يرتدي جلبابا قصيرا و بنطلون يذكرك بالمجاهدين الأفغان .. يبصق في الشارع بدون مناسبة .. يقود ذلك المكعب العملاق بعد أن حشر به مجموعة من البشر المغلوبين على أمرهم .. يضع لافتة تحمل صيغة التهديد (هل صليت على محمد اليوم؟) فيضطر الركاب بلا مقاومة أن يصلوا على النبي خشية أن يصابوا بأذى.
 
يبدأ السائق رحلته بدعاء الركوب .. (سبحان الذي سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين و إنا إلى ربنا لمنقلبون) هو لا يفقه شيئا عن مرجعية الآية التي يرددها بلافهم التي تعود على ظهور الإبل التي استطاع الإنسان ترويضها و امتطاء ظهورها .. مش مهم أهو الدعاء يمشي مع أي ركوب و خلاص .. نحن نسمعه في المصاعد حاليا .. عادي يعني.. المهم أن نرضي ربنا و نتشبه بالسلف الصالح.
 
على الركاب تقبل الأمر الواقع .. فمن المعتاد أن يركن السائق على جنب ليقضي حاجته عيني عينك على قارعة الطريق .. لا حيلة له و لا للركاب في هذا .. ينزل السائق مردداً دعاء دخول الخلاء .. (أعوذ بالله من الخبث و الخبائث).. و يقوم بفعلته بمنتهى الأريحية .. من المعتاد أيضا أن يتعامل السائق مع نقود الركاب جيئة و ذهابا يأخذ الأجرة و يعيد الباقي بيديه المباركتين التين كانتا تمسكان بالخبائث منذ قليل. صوت محمد حسين يعقوب يخرق حاجز الصوت و يصم آذأن الركاب الذين ليس لهم الحق في الاعتراض على أي شئ فهم ملك يمين السائق حتى نهاية الفردة (رحلة الميكروباص من الموقف الي الموقف ).
 
ذلك الشاب الجالس في الصف الأخير قد تسول له نفسه لمس يدي حبيبته التي تجلس بجانبه ليرطب جفاف الرحلة قليلا..لكن عيني السائق كالصقر تقتنصان تلك اللمسة من خلال المرآه المثبته على الركاب و ليس على الطريق و يتحول في لمحة إلى مثله الأعلى الشيخ وجدي غنيم .. يركن ثانية و ينزل ليلقن الشاب و حبيبته درسا قاسيا .. ( اتقوا الله يا ش… يا … احنا بتوع ربنا .. و دي عربية أكل عيش مش عشان المسخرة و النجاسة ) .. يتدخل أولاد الحلال لإنهاء الازمة ليستكملوا الطريق و يمضي كل إلى غايته.
 
في عهد ليس ببعيد كان هذا السائق الذي يكون غالبا أربعيني أو خمسيني يفعل أفعالا تفوق ما فعله الشاب المسكين .. لكن بعد أن ظن أن هداه الله و أصبح بتاع ربنا .. يناديه الناس في الموقف ب “يا شيخ” لا يصح أن يسكت على تلك الأفعال المشينة ابتغاء مرضاة الله و طمعا في دخول الجنة.
 
هذا السائق و غيره ملايين ممن اخفقوا في تحقيق أي إنجاز او انتصار في الحياة يصارعون من أجل سد احتياجتهم الأساسية بضرواة فأصبح الطعام و الشراب و التزاوج هو الهدف و الطموح … و أصبحوا بتوع ربنا … يسعى كل منهم للحياة الأخرى ليصيبوا ما ينقصهم في الحياة على الأرض أو ما يحصلون عليه بشق الأنفس … الجنة التي زُينت لهم هي مكان به يأكلون و يشربون و يقيمون علاقات جنسية آناء الليل و أطراف النهار، بلا أي حساب على الأكل أو المشاريب و الحور العين طوع أمرهم.
 
لا أدري لم قفزت إلى ذهني صور الشواطيء المصرية بعد أن تنتهك من من هذا الجراد كل صيف .. تؤلمني تلك الصور، و أتخيل أن مصير الجنة سيكون كذلك بعد أن يدخل أمثال هذا المواطن الجنة و هم كُثر.. تخيل معي المنظر بعد أن تمتلئ الجنة بمخلفات المؤمنين .. فهم بالطبع لاهون ينثرون مخلفاتهم أينما وجدوا .. من سيقوم بتنظيف الجنة بعد كل ليلة صاخبة يمرح فيها المؤمنون داخل الجنة ؟ هل تتولى ذلك شركة نظافة خاصة ؟
 
أتخيل أيضا لو أن اليابانيون هم من سيدخلون الجنة .. لابد أنها ستظل أنيقة نظيفة كما دخلوها أول مرة .. لكن للأسف شعب اليابان ليسوا بتوع ربنا.