وسائل كثيرة اتبعتها دار الإفتاء المصرية، ومؤسسة الأزهر بشكل عام، لنشر أفكارها ورجالها وسط فئات المجتمع المختلفة، خاصة عقب إطلاق الرئيس عبد الفتاح السيسي، دعوات عدة لتجديد الخطاب الديني، من بينها على سبيل المثال، “أكشاك الفتوى” في محطات مترو الأنفاق، وزيادة التفاعل على صفحات التواصل الاجتماعي، والظهور “لايف” يوميا على “فيسبوك” صفحة دار الإفتاء، وأخيرا، إنشاء حساب على موقع التدوينات “تويتر”.
لكن أداء “أدمن” حساب دار الإفتاء، الموثق بالعلامة الزرقاء من إدارة تويتر، لم يكن في كفاءة نظيره على “فيسبوك”، الذي لا يدخل في نقاشات وسجالات مع الجمهور، حتى في حالة طرح قضية مثيرة للجدل، مثل فرضية الحجاب في الإسلام، وطريقة تطبيق الأزهر لمقولة “تجديد الخطاب الديني” في ظل حبس بعض الكتاب والمفكرين بحجة “ازدراء الأديان”.
الطريق إلى “بلوك” دار الإفتاء، يبدأ من تغريدة يكتبها أدمن الحساب، لتبدأ الاستنكارات، والردود الغاضبة أو حتى العاقلة، لكن في النهاية، يتعرض المعارض لرأي الأدمن إلى “البلوك” ليُرحم من الدُرر التي يكتبها الحساب، والتي تتمحور في الأغلب حول المرأة.
تركيز الحساب على المرأة، أمر مثير للتأمل، حيث ركزت التغريدات على التحرش وزواج المرأة من أكثر من رجل، وميراث المرأة وحجابها، حتى إن بعض التغريدات -خاصة المتعلقة بالحجاب- يعاد نشرها من وقت لآخر، لكنه أثار الغضب والسخرية أيضا من قبل البعض الآخر، حيث كتب أحد المغردين: “هو ممكن حساب دار الأفتاء ومرتادي الحساب ومريديه يسيبوا المرأة في حالها؟”. بينما وصفت أخرى الحساب بأنه “دار الافتاء.. ركن المرأة”.
وسط هذه المشاحنات المستمرة على مدار عدة أيام، بل ومنذ أن أعلنت تونس استحقاق المرأة الحصول على ميراثها بالتساوي مع الرجل، ورفض الأزهر الصريح لهذه الخطوة، اعتقد المسؤول عن حساب دار الإفتاء على تويتر، أنه داخل في معركة بين المتمسك بثوابت الدين ومن يرفضها.
لكن ذلك لم يمنعه من نشر تغريدات تحرم التحرش، وعلى الرغم من بديهية الأمر بحرمانية التحرش، إلا أن التغريدة تأتي في سياق إثبات توقيرهم للمرأة بعد اتهامهم من قبل المغردين بالنظر إليها بنظرة أقل من الرجل.
“المرأة قبل الإسلام كانت تعامل في بعض القوانين كالطفل أو المجنون، أي لا أهلية لها”، هذه التغريدة على سبيل المثال كانت الأبرز في إثارة الجدل، فبمجرد أن كتب أدمن الحساب هذه الجملة، انهالت عليه الانتقادات، مؤكدين أن السيدات في العديد من المجتمعات وقبل ظهور الإسلام، كن ملكات مثل “سبأ” والملكات الفرعونيات في مصر، وحتى المرأة في مجتمع شبه الجزيرة العربية، كانت المرأة تحتل موقعا هاما فيه، فالسيدة خديجة على سبيل المثال كانت تتحكم في تجارتها، بل وهي التي أقدمت على طلب الزواج من الرسول محمد “عليه الصلاة والسلام”، وكان ذلك كله قبل ظهور الإسلام.
لم يعني هذا لدى رواد “تويتر” أن وضع المرأة قبل الإسلام كان أفضل من بعد ظهوره، لكن الاعتراض الرئيس كان على “السذاجة” التي كتب بها أدمن الإفتاء هذه الجملة، والمشكلة الحقيقة أنه غير واع للتاريخ، وللواقع الافتراضي الذي انضم إليه، وهو أن للجميع القدرة على البحث والمعرفة، والرد والمناقشة، لكن الأدمن كان يواجه هذه النقاشات بالحل السريع وهو “البلوك”.
أما في هذه التغريدة المتعلقة بالحجاب، افترض الحساب أن الحجاب فرض حتى يحمي الإسلام المرأة من نظرات أصحاب الشهوات، فما كان من المغردين إلا أنهم سألوا “ولماذا يُفرض على المرأة شيء بذنب آخرين؟ ولماذا لم تكتب عقاب أصحاب الشهوات بدلا من تمحور التغريدات حول المرأة؟.
أبسط الانتقادات واجه أصحابها “بلوك” من أدمن حساب دار الإفتاء، فهذه المغردة لم تتجاوز لفظيا، بل طلبت فقط بإغلاق الحساب اعتقادا منها أن ذلك في مصلحة هيبة المؤسسة الدينية”، لكن مصيرها أيضا كان “البلوك”.
أما الأساليب الأخرى خلاف البلوك، لمواجهة المعارضين، كانت تغريدات تؤكد أن ما يُكتب هو ثوابت، ومخالفتها “حرام”، مثل ما قيل في قضية ميراث المرأة، حيث قال الأدمن في إحدى التغريدات: “يجب على المؤمن التسليم للشرع في أمور الدين، وحسن الاتباع فيما لم يكشف له عن معانيه”، وذلك بدلا من الدخول في مناقشة عقلية يستفيد منها رواد تويتر.
هذه التغريدة التي تم حذفها من الحساب كانت مثارا للجدل خلال الساعات الماضية، والتي حملت بعدها حملة “بلوك” كبيرة لكل المنتقدين والمهاجمين، لكن الحساب عاد للتغريد مرة أخرى مؤكدا أن الحساب سُرق وتم استعادته بعد ذلك بساعتين.
مشكلة العديد من المغردين مع الحساب، ليست فقط الأفكار التي ينشرها، وتركيزه على موضوعات المرأة التي تثير الجدل بطبيعتها في مجتمعنا، لأنهم يعرفون سلفا آراء الأزهر والمحافظين بشكل عام في هذا الشأن، لكن الانتقاد الرئيس كان لطريقة إدارة الحساب، وصياغة التغريدات، وطريقة الرد على المعترضين، والتي حملت عصبية غير مرئية لفظيا، لكنها ملموسة بشكل كبير في أسلوب إدارة الحساب.
الانتقادات والهجوم على “أدمن” حساب دار الإفتاء، حتى وإن كان بأسلوب غير لائق في بعض الأحيان، لا يجب أن يمنع المسؤولين عن الحساب من مراجعة أدائهم عليه، وأن يعلموا أنهم في عالم آخر لا ينفع معه أسلوب “لا تُجادل ولا تناقش” ومبدأ “السمع والطاعة”، وأن على “الأدمن” الالتزام هو أيضا بما كتب في هذه التغريدات التالية: