شهدت مصر موجة كبرى من الاستحواذات والاندماجات وحتى خلق كيانات جديدة من الصفر في مجال القنوات الفضائية؛ بل تم استثمار مليارات في شراء أكثر من قناة وتوفير التمويل اللازم لشراء محتوى متميز. مهما كانت الأسباب وبصرف النظر عن من المستثمر، فأنا في رأيي الشخصي أن هذا الاستثمار غير موفق، وتوقيته خاطئ، وسبب هذا هو أن الاستثمار يفوق في قيمته ما تم شراؤه فعلا، وبذلك فالصرف مغالٍ فيه، بالإضافة أن من المعروف أن التلفزيون الفضائي التقليدي في طريقه للفناء، فلن يستطيع المستثمر أن يسترجع استثماره في عشر سنوات كما هو المتبع في تلك الصناعة.
وبينما نحن ندفع ملايين في وسائل حان وقت اختفائها من المشهد، نسينا أن نستثمر في مستقبل الإرسال التلفزيوني وهو الـ OTT، أو ببساطة، المشاهدة عن طريق الإنترنت مثل نموذج نيتفليكس وهولو وستارز بلاي وأمازون وأخيرا وفي الشرق الأوسط منصة WAVO التي أطلقتها شركة OSN، مع أنها ستقضي على الصندوق الأسود الشهير الذي تعتمد عليه المؤسسة، لكنهم يعلمون أنهم في طريقهم للفناء وأن المستقبل للإرسال الرقمي عبر الإنترنت فبدأوا الاستثمار فيها بعنف. وفي توقعي أن هذا النوع من نوعيات توزيع المحتوى على المشاهدين سيقضي على الإرسال التقليدي للتلفزيون خلال خمس سنوات، وسيصبح التليفون المحمول هو الوسيلة رقم ١ في مشاهدة المحتوى حول العالم.
والفكرة بسيطة في مفهومها، وهي توفير محتوى متميز وحصري لدى مقدم الخدمة؛ يدفع المشاهدين للاشتراك في الخدمة لأنهم سيشاهدون محتوى غاية في التميز وغير موجود على أي وسيلة أخرى، وهو استثمار كبير لكنه استثمار طويل المدى؛ وهو ما فعلته نيتفليكس حين استثمرت ملايين في مسلسلات حصرية مثل ناركوس وهاوس أوف كاردز، واستغلت جيل الإنترنت في تحفيز الكل على الاشتراك، إلى أن أصبح عدد المشتركين حول العالم فوق الـ ١٠٠ مليون مشترك يدفعون مليار دولار كل شهر للاشتراك.
وعندنا فرصة كبيرة لخلق منصة مشابهة ولكن تغلب عليها اللغة العربية، توجه لكل العرب حول العالم، وبدلا من الصرف على قنوات فات عمرها التقليدي، فلنستثمر في أفلام ومسلسلات وبرامج تجذب كل شخص مصري وعربي ونضعها على هذه المنصة ونطلب اشتراك دولار واحد أو دولارين وبالتالي نسيطر على أغلبية المشاهدين ونستعيد هيمنة قوتنا الناعمة على وجدان وعقل المواطنين العرب في كل مكان..
أنا أعلم أن هناك محاولات من مؤسسات إعلامية مختلفة و قنوات لإنشاء مثل هذه المنصة لديهم وعرض محتوى قنواتهم عليها، لكن للأسف كل ده تضييع وقت، لأن لو كنا عايزين الموضوع ده ينجح لازم كل صناعة المحتوى المصري توجه لهذه الخدمة وميزانية تكفي لإنتاج ٤ أو خمس أعمال على مستوى عالمي ليجذب المشتركين، ونستثمر في أعمال خليجية ولبنانية ومصرية طبعا، ونعيد الريادة الإعلامية التي فقدناها منذ سنوات، وتصبح أفلامنا ومسلسلاتنا هي المصدر الرئيسي للترفيه كما كنا في الستينات، وهذا يتطلب تدخل الدولة بمعاونة كل القنوات والمنتجين.
لو حبيت ألخص كل ما سبق أقول: كفاية صرف على جهاز التلفزيون التقليدي، هذا الصندوق الأسود الموجود حاليا في منازلنا، وحولوا الإنفاق للاستثمار في المحتوى الذي سيصل للجمهور عبر الإنترنت وشاشات المحمول.
ولو لم نتكتل ونتحد ونسبق في هذه المساحة لن نجد لنا مكانا.