وليد رشاد
قصة في منتهى الدقة والتعقيد وهي حدوتة لقاءي مصر مع فلسطين في تصفيات مونديال إيطاليا 1934، فالإسرائيليون يزعمون أن مصر لعبت مع منتخب إسرائيل الوليد، بينما معظم المصريين يميلون لفكرة أن مصر التقت مع منتخب فلسطين، لأنه لم تكن وقتها إسرائيل قد ظهرت للوجود أصلا؛ ولكن بمزيج من الدقة والحياد سنحاول أن نتلمس الحقيقة ونترك لكم الحكم.
وتبدأ القصة بمحاولة اليهود -منذ وطأت أقدامهم أرض فلسطين- البحث عن أي شرعية أو اعتراف دولي، ففكروا في استغلال شعبية كرة القدم، من خلال إنشاء اتحاد كرة قدم فلسطيني اعتماداً على الأندية الصهيونية التي تكونت من اللاعبين المهاجرين من دول أوروبا القوية. وحتى يحصلوا على اعتراف الفيفا والذي لا يقبل اتحادين من نفس الدولة، اضطروا لضم عضو عربي واحد ضمن 15 عضواً بالاتحاد الجديد، رغم أن نسبة العرب وقتها كانت حوالي 75% من سكان فلسطين!! وانضم الاتحاد للفيفا بالفعل عام 1929.
كانت أول فرصة لظهور منتخب فلسطين للنور هي تصفيات مونديال إيطاليا 1934، وأوقعت القرعة المنتخب الفسطيني مع المنتخب المصري؛ ولسبب غير مفهوم كان المنتخب الفلسطيني يضم فقط اللاعبين اليهود وجهاز فني يهودي بقيادة “شيمون راطنر” اللاعب البولندي السابق والذي هاجر إلى فلسطين، ولم يتواجد بالمنتخب أي لاعب عربي أو لاعب من مواليد فلسطين، ربما لأن اليهود كانوا الأمهر وربما لاستغلالهم فرصة رفض العرب مشاركتهم في أي شيء بعد أن ظهرت دوافعهم الاستيطانية. وكانت النتيجة أن مصر التقت مع منتخب مكون من اليهود (الفلسطنيين وقتها بحكم الجنسية) فلا تهم ديانة اللاعبين سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين أو يهود، فالمعروف تاريخياً أن دولة إسرائيل أساساً ظهرت للوجود عام 1948 في حين أن التصفيات كانت قبلها بأربعة عشر عاماً، ولكنها عادة الإسرائيليين في سرقة أي شيء ونسبته لأنفسهم.
ويستمر الجدل حول تلك المباراتين، ويمتد إلى النشيد الوطني الذي تم عزفه، فيزعم الإسرائيليون -كالعادة- أن النشيد الوطني الإسرائيلي “هاتكفاه”، تم عزفه في ملعب الجيش الإنجليزي بالقاهرة أمام 13 ألف متفرج مصري، بينما يرفرف العلم الإسرائيلي!! ولكن يرى المؤرخون المحايدون أن النشيد الوطني الإنجليزى هو ما تم عزفه، باعتبار فلسطين وقتها تحت الانتداب البريطاني، وقد ارتدى اللاعبون اليهود نفس زي المنتخب الإنجليزي. ورغم أن مصر فازت في القاهرة (7-1) وعادت لتفوز مجدداً في تل أبيب (4-1) ووصلت إلى كأس العالم، لكن ما زال بعض المصريين يرون أنها سقطة في تاريخ مصر الكروي، لأن الفريق كان مكونا من يهود المستوطنات الناشئة، وكان يجب أن ترفض مصر ملاقاته لأنه لا يعبر عن فلسطين العربية؛ ولكن يمكن تبرير ذلك بأن القضية الفلسطينية وقتها لم تكن قد أخذت الشكل المشتعل والذي ظهر إبان حرب 1948.
وفي تصفيات مونديال 1958 (بعد إنشاء إسرائيل) انسحبت مصر ثم السودان على التوالي قبل مواجهتها، وقبلهما انسحبت تركيا وبعدها أندونيسيا بعد أن طلبت اللعب مع إسرائيل على أرض محايدة، مما دفع بعدها الاتحاد الدولي لاعتماد قاعدة تقتضي بأنه لا يجوز أن يصل فريق للمونديال دون خوض لقاءات فعلية، فاضطرت إسرائيل أن تلتقي مع ويلز وخسرت (0-2) في تل أبيب ثم (0-2) في كارديف.
وتاريخ اللقاءات الرياضية المصرية الإسرائيلية يحتشد بالمشاكل منذ أول مواجهة يوم 23 مارس عام 1992، حيث كان المصريون على موعد مع حدث غير عادي لأن المنتخب الوطني لكرة اليد -الذي كان قد توج بكأس الأمم الأفريقية- واجه منتخب إسرائيل في بطولة العالم لكرة اليد (ب) في النمسا، وقد كانت هذه أول مواجهة رياضية فعلية بين مصر وإسرائيل منذ إنشاء دولة إسرائيل وتوقيع اتفاقية السلام عام 1979، بعد أعوام من الصراع المباشر وغير المباشر منذ حرب 1948.
ووقتها حدثت وقائع في منتهى الغرابة؛ فقد رفض لاعبو المنتخب المصري الوقوف للسلام الوطني الإسرائيلي، بل يتردد أن أحد اللاعبين المصريين وقف بقدميه على العلم الإسرائيلي، والمباراة كانت أشبه بالمعركة الحربية داخل الملعب، ووجه رئيس الاتحاد المصري لكرة اليد وقتها الدكتور “حسن مصطفى” اللوم للاعبين المصريين بسبب توترهم المبالغ فيه واستجابتهم لاستفزازات الإسرائيليين وخروجهم عن التركيز في المباراة، وبعد جولة طويلة من الاعتذارات والانسحابات ورفض المصافحة، اختتمت -مؤقتاً- رحلة اللقاءات الرياضية المصرية الإسرائيلية، بلقاء لاعب الجودو “إسلام الشهاوي”، والذي رفض أيضاً مصافحة منافسه الإسرائيلي “أور سوسان” في أوليمبياد ريو دي جانيرو 2016.
ولكن الأكثر إثارة في قصة العلاقات الرياضية المصرية الإسرائيلية، هي الحدوتة المتجاهلة تماماً من كواليس كأس العالم 90؛ وقبل أن نتطرق لتلك الحدوتة المثيرة يبجب أن نوضح معلومات مبسطة عن تاريخ إسرائيل الكروي، والذي يعد من أغرب ما يمكن لأنه طبقاً لموقعها الجغرافي فإنها كانت تشترك في البطولات والتصفيات الآسيوية، وشاركت بالفعل في 4 بطولات آسيوية للأمم منذ عام 1956 وحتى عام 1968، ونظراً للصراع العربي الإسرائيلي، فقد رفضت الكثير من الدول العربية والإسلامية مواجهة إسرائيل، وبالتالي كان طريق إسرائيل ممهداً لحصد بطولة آسيا 1964، علاوة على المركز الثاني في بطولتي 1956 و1960، والمركز الثالث في بطولة 1968، كما وصلت لأول مرة إلى أوليمبياد مكسيكو 1968 وخسرت من بلغاريا في الدور ربع النهائي بالقرعة بعد التعادل (1-1)، ثم وصلت لأول مرة إلى كأس العالم بالمكسيك 1970 وخرجت من الدور الأول، ووصلت أيضاً للأوليمبياد للمرة الثانية في مونتريال 1976، ثم خرجت كذلك من الدور ربع النهائي، ولكن أمام البرازيل هذه المرة بعد الخسارة (1-4).
وبالتزامن مع مسابقة الكرة في دورة الألعاب الآسيوية في عام 1974، تقدمت الكويت باقتراح لاستبعاد إسرائيل من الاتحاد الآسيوي، لا سيما بعد رفض الكويت وكوريا الشمالية اللعب مع إسرائيل في الدور الثاني من البطولة، وحصل اقتراح الكويت على 17 صوتاً مقابل 13 وامتناع 6 عن التصويت، لتعش بعدها إسرائيل فترة من العزلة والتخبط، وبعدها انتقلت إسرائيل مؤقتاً إلى قارة أوروبا في تصفيات كأس العالم 1982، ثم إلى الأوقيانوس في تصفيات دورتي 86 و90، قبل أن تعود إلى أوروبا مجدداً وحتى الآن.
وكانت قمة الإثارة بوصول إسرائيل إلى المرحلة النهائية في تصفيات مونديال 90، بعد أن تصدرت مجموعتها في الأوقيانوس، لتلتقي مع كولومبيا المتصدرة بالمجموعة الثانية في قارة أمريكا اللاتينية، ولكنها كانت الأسوأ في النتائج بعد البرازيل وأوروجواي، وكان موعد اللقائين بين كولومبيا وإسرائيل في شهر أكتوبر يومي 15 و30، بعد مباراة الذهاب بين مصر والجزائر في قسنطينة يوم 8 أكتوبر، ووقتها لم تكن هناك شبكة إنترنت أو وسائل تواصل اجتماعى أو حتى قنوات رياضية متخصصة تتابع أخبار الكرة في العالم!! والعجيب أن الغالبية العظمى من الصحفيين المصريين التقليديين، تعمدوا عدم الحديث في هذا الموضوع أصلاً، وقد يتفاجأ أبناء جيل 90 عندما يعرفون أن إسرائيل كانت على بُعد خطوة بسيطة من مونديال إيطاليا، وربما كان مبرر الإخفاء في ذلك الوقت هو عدم الثقة أساساً في قدرة المنتخب المصري على تخطي منتخب الجزائر الرهيب المحتشد بالمحترفين، بينما المنتخب المصري كان مجموعة من الشباب المحليين مطعمين بقليل من الخبرة، ومحترف يتيم هو “مجدي عبد الغني” في بيرامار البرتغالي، فربما لم يريدوا أن يفتعلوا مشكلة “بدون لازمة” أو يسبقوا الأحداث، لأن وقتها كان الموضوع غير مقبول شعبياً تماماً، ويجوز أيضاً أن سبب التعتيم كان يكمن في وجود الأمل في أن تخرج إسرائيل أمام كولومبيا فتنتهي المشكلة بسلام أو على طريقة المصريين “لما نبقى نوصل يحلها ألف حلال!!”.
https://www.youtube.com/watch?v=mXniuV1S2Is
وجاء الحل من المولى (عز وجل) حينما خسرت إسرائيل بصعوبة (0-1) في بوجوتا أمام الجيل الذهبي لكولومبيا بقيادة القنفذ “فالديراما” والحارس المجنون “هيجيتا”، وتعادلوا في تل أبيب (0-0)، لتخرج إسرائيل وتنفرج الأزمة تماماً، ويلعب المصريون مباراة العودة أمام الجزائر يوم 17 نوفمبر في القاهرة، وتحدث المعجزة وتفوز مصر بهدف العميد “حسام حسن” وتصل للمونديال بعد غياب 56 عاما.
ثم يأتي موعد قرعة كأس العالم وتتواجد ستة منتخبات في المستوى الرابع، بواقع اثنين من أفريقيا واثنين من أسيا واثنين من الكونكاكاف؛ ويوجد في المستوى الثالث ممثلا أمريكا الجنوبية -عدا البرازيل والأرجنتين حاملة اللقب حيث تم تصنيفهما مستوى أول- وبذلك يتواجد في المستوى الثالث كولومبيا (وكان يمكن أن يكون بدلاً منها ممثل الأوقيانوس الذي فازت عليه) ومعها أوروجواى، بينما مصر والإمارات في المستوى الرابع. وتسحب القرعة ليفاجأ الجميع بوقوع كولومبيا في مجموعة الإمارات الشقيقة، وكانت احتمالات وقوعها في مجموعة مصر هي 6/1 أو واحد من ست احتمالات!! فتخيل عزيزي القارئ لو أن مصر بعد ما وصلت مونديال 90 (بعد غياب 56 سنة وتعب السنين وأعوام من الفشل والإحباط)، تتواجد مع إسرائيل في مجموعة واحدة، ويا سلام لو كمان الناس طالبت وقتها بضرورة انسحاب مصر لأن إسرائيل وقعت في مجموعتها!! يعني كنا بعد ما نوصل ننسحب.. تخيلوا حضراتكم!!
واضح إن لدينا فعلاً مشكلة مع كأس العالم والوحيد اللي عرف يحل شفرة المونديال هو الراحل “محمود الجوهري”، بس الحقيقة لو كنا وصلنا مونديال 90 وانسحبنا، كنا هنحقق ميزة تاريخية وهي إننا نِترِحم من”لزوجة مجدي عبد الغني” وضربة الجزاء اللي زهقنا بيها!!!!