مهزلة جديدة من مهازل الإعلام المصري بطلها هذه المرة ليس مذيعا يحترف مهنة التطبيل، أو شخصيات تصفي حسابات قديمة وجديدة فيما بينها على الهواء مباشرة، أو حتى فضيحة أخلاقية مفبركة تضج صفحات التواصل الاجتماعي بالحديث عنها لأيام تالية، وإنما البطل هذه المرة طفلة بريئة ربما لم تتجاوز السبع سنوات!
أم موتورة قامت بالزج باسم وبحضور ابنتها على شاشة القنوات الفضائية، وتقديمها للمشاهدين باعتبارها معجزة فكرية استطاعت اختراع إنسان آلي يرافق كبار السن أو العاجزين عن الحركة، وعبقرية فذة لها من القدرات الخارقة التي تجعلها تحل المسائل الحسابية دون استخدام آلة حاسبة، ودون أي ورقة وقلم، ليفاجأ المشاهد بالأم عندما بدأت باستعراض مواهب ابنتها العقلية أنها تسألها في أتفه العمليات الحسابية (20+10) وعندما طلبت منها مذيعة البرنامج إيمان الحصري زيادة تعقيد المسألة، طلبت منها حساب (25+5+9 )!!
نرشح لك: شاهد.. والدة “الطفلة المعجزة”: ارحموا فريدة
بعد أن قامت الدنيا طبعا، وملأ فضاء مواقع التواصل الاجتماعي كم مهول من السخرية، نشرت الإعلامية إيمان الحصري على صفحتها منشورا يحوي اعترافا، ورجاء..
نرشح لك: إيمان الحصري: “ارحموا الطفلة فريدة”
أما الاعتراف فكان بالتقصير من جانب الشخص الذي لم يقم بالبحث والتدقيق في صحة الأوراق ومدى صدق أو ادعاء الحالة، وهذا يحسب لمقدمة البرنامج ويوضح قدر ما من المهنية من حيث الاعتراف بالخطأ، وبالرغم من قولها “نعم وقعنا في شرك سيدة ادعت بمستندات”! ، إلا أنني أرى أنه لم يكن شركا، إذ لم تحكم تلك السيدة الفخ ولم تضع خطة محكمة الأركان للنفاذ من إجراءات وخطوات لتقييم ما إذا كانت حالتها جديرة بالعرض في البرنامج، كان يكفي بضع دقائق قبل الهواء تجلس فيها الحصري مع الأم وابنتها لتكتشف أن الطفلة عادية مثل كل من في سنها وأن لا شيء يميزها، وأن الأم مجرد محتالة مدعية.
وأما الرجاء، فكان موجها لرواد مواقع التواصل الاجتماعي، بالكف عن نشر ومشاركة الفيديو بطريقة ساخرة، مراعاة لنفسية ومشاعر الطفلة، وعدم تحميلها ذنب وخطأ الأم.
لو كان هناك بصيص أمل في تطور وتحسن الإعلام في مصر، لتمت محاسبة كل متورط في تلك المهزلة، ولو أننا في دولة ترعى حقا حقوق ومصالح الأمومة والطفولة، لتحركت الجهات المعنية لاستدعاء تلك الأم والتحقيق معها في واقعة هي الأسوأ في نماذج التشهير بالأطفال، ولنصت القوانين على عقوبة لجريمة استغلال الوالدين لأبنائهم واغتيالهم معنويا واتخاذهم وسيلة لتحقيق مآرب خاصة بهم، دون مراعاة الأثر السلبي على نفسية هؤلاء الأطفال، وسط مجتمع لا يستطيع مجرد التمييز بأن تداول ذلك اللقاء التلفزيوني بذلك القدر من السخرية والاستهزاء جريمة أخرى في حق طفلة لا تملك أي وسيلة للدفاع عن نفسها.