التقيته للمرة الأولى عام 2006 في لوكشن تصوير فيلم “ثمن دستة أشرار” للمخرج رامي إمام وكان خالد وقتها بدأ يكون قاسم مشترك في جميع الأفلام المهمة بالسينما المصرية بعد تأكيد موهبته الكبيرة والأهم كانت مشاركته في نفس العام بالفيلم الحدث “عمارة يعقوبيان” وجسد بالعمل شخصية “كمال الفولي” وهي كانت إسقاطا علي واحدة من اكثر الشخصيات السياسية لنظام “مبارك” نفوذا كما ذكر لي صديقي الروائي علاء الأسواني.. وكنت مهتما بمحاورة النجم القادم بقوة فسألته ربط الجمهور بينها وبين شخصية حقيقية في مصر، هل كان في ذهنك هذا الربط عند تجسيدها؟
فقال لي خالد “أولاً انا لم أضع في ذهني أي شخصية حقيقية عند تجسيد “كمال الفولي” لأنه لم يكن ضمن أولولياتي أن أؤرخ لشخصية فاسدة! أكثر ما كان يهمني هو توصيل معنى الفساد من خلال السلطة للمشاهد وساعدني على ذلك السيناريو ومن قبل الرواية لأنني وجدت في الورق المكتوب جميع الإجابات عن التفاصيل الدقيقة للشخصية والتي وجدت فيها شخصاً يملك كل شيء “النفوذ والوقت” ولكنه يشعر بمرارة، من عدم شعوره بالإحتياج.
أداء خالد لشخصيته بعمارة يعقوبيان كان لافتا للجميع رغم وجود أسماء غاية الأهمية في تاريخنا الفني بالفيلم “عادل إمام ونور الشريف” ولكن موهبته كانت واضحة للجميع وكأنه كان يعرف أن “عمره قصير” فكان يسعى لإخراج كل ما في جعبته مع كل فرصة هامة تأتيه فكانت الإشادة الجماهيرية والنقدية تلاحقه في كل أعماله، أثناء لقائي الأول معه أكتشفت خالد لأول مرة عن قرب إنسان ودود تحب صداقته وفنان مثقف وواعي بأدواته الفنية ويحب عمله بشكل كبير ولذلك كان صبورا حتى نال مكانته التي تناسب موهبته رغم أنه لم يحزن على تأخر النجاح والشهرة فقال لي “لو كان حدث هذا التألق في وقت سابق كان يمكن ألا يحدث التماس الواضح الآن مع الجمهور ومن “السفه” أن أحزن على الماضي وكان ممكن ان تحدث أشياء كثيرة لا تساعدني على الظهور لذلك أعتقد ان هذا هو الوقت المناسب لأنني في مرحلة عمرية تجعلني أقدر قيمة المسؤولية واحترام الجمهور.. بالفعل مهم جدا أن يحترم النجم الجماهيري ما يقدمه لجمهوره وهو أمر نفتقده كثيرا الأن، في بداية تألقه كاد أن يحبسه صناع السينما في أدوار الشر بعد براعته في فيلم “تيتو” لطارق العريان ولكنه كان ذكي ومنتبه لذلك وله فلسفته الخاصة في ذلك الامر ويقول عنها ” حبسي في قالب معين أو عدم حبسي، هو جزء من مهمتي كممثل علي ان أثبت انني قادر على التنوع في تقديم أكثر من شخصية” وبالفعل بدأ بالتنوع وقدم شخصيات إنسانية ورومانسية أيضا في السينما والدراما التليفزيونية ولاقت نفس النجاح.
اللافت أن خالد رغم الإحتفاء الكبير من الجميع بموهبته وتألقه من عمل لأخر كان يقابل ذلك بتواضع شديد وجدته يقول لي ” بصراحة أنا لا أعرف لماذا!؟ كل ما اعرفه أنني فرحان جداً! ولكن يمكن أن اقول لك إنني في “حال” من الرضا الشديد والامتنان لما حدث بل وأشعر انني اخذت اكثر مما أستحق لانني أشعر انني لا أجيد التمثيل وعندي شك طوال الوقت في انني استحق المشاهدة من الجمهور! اشكر الجميع على هذا الاحتفاء على أية حال، وكان يرى أن جميع شخصياته “أمانه” يريد توصيلها للمتفرج وعندما تأتيه شخصية جديدة يقول أتعامل معها بمنطقية شديدة وأضع حولها أسئلة عن كل ما يخصها من تفكير وأحاسيس وغير ذلك حتى ألمّ بجميع التفاصيل.
بعد ذلك جاءت لخالد الفرصة الأهم في مشواره بطولة لفيلم مع يوسف شاهين فيلم “هي فوضى” ليكون البطل الرئيسي للعمل والذي شارك في إخراجه خالد يوسف وشارك بالمسابقة الرسمية لمهرجان “فينيسيا” السينمائي الدولي وكان اخر أعمال شاهين بالسينما واذكر أن المؤلف ناصر عبدالرحمن قال لي “كتبت” السيناريو 25 مرة بسبب طلب تعديلات يوسف شاهين في كل مرة أذهب بالسيناريو حتى كدت أفقد الأمل، وجاء فيلم “هي فوضى” ليحقق خالد أداء “إستثنائي” في مشواره مع شخصية أمين الشرطة الفاسد والعاشق لجارته ومن بين المشاهد اللافته في أداءه مشهد النهاية “الانتحار” والذي سقطت دموعه ودموع شاهين أثناء تصويره وعن هذه التجربة قال لي “العمل مع يوسف شاهين تمنيته منذ 18 عاماً! ولكن لا أحد يعلم الغيب وأنا غالباً ما أسأل نفسي الآن هل لو كنت عملت مع شاهين وقتها كان افضل ام العمل الآن أفضل؟ أعتقد ان الآن افضل هذا ما اقتنعت به وأنا مستمتع بالعمل مع هذا الفنان الذي يعمل في السينما منذ عام 1949 أنا دائماً بعد البروفات معه أخرج شخصا آخر، فهو إنسان بسيط ولديه تصورات فنية عن الحياة بسيطة جداً.
اصطحبت خالد في السفر مرتين في مهرجان “قرطاج” ٢٠٠٨ و في مهرجان “مراكش” ٢٠١٢، كان إنسانا ودودا و لا تشعر بغربة في التعامل معه و لمست حب الجمهور العربي له و ترديدهم لبعض جمل أفلامه عندما يلتقيهم في الشارع وتحديد “أنا بابا يلا” رحم الله خالد صالح.