أثارت صورة فتاة ظهرت، خلال مهرجان موسيقي شبابي بالمغرب، بلباس غير مألوف، موجة تفاعلات وردود فعل في مواقع التواصل الإجتماعي، إلا أن صاحب الصورة خرَج بتوضيحٍ حول الفكرة التي تقف خلف نشر الصورة، واضفى أبعاد جديدة للنقاش.
صورٌ التُقطت لفتاة مغربية، على هامش حضورها لفعاليات مهرجان “البولفار”(الشارع) الموسيقي بالدار البيضاء، وهي ترتدي نقاباً يغطي كامل جسمها ما عدا ساقيْها مع حذاء عالي الكعب، تفجر الجدل على موقع التواصل الاجتماعي “فيسبوك”، ما جعل الصورة محطّ اهتمام بالغ من جلّ رواد العالم الافتراضي كما نشرتها العديد من وسائل الإعلام داخل المغرب وخارجه.
لباسٌ اعتبره كثيرون “غريباً ومثيراً”، فيما رأى فيه آخرون تعبيراً عادياً عن اختيار شخصي، مما أدى إلى كثرة التكهنات بخصوص حقيقة الصورة وهوية الفتاة التي تظهر فيها، لتتطوّر تعليقات نشطاء مواقع التواصل إلى نقاش ساخن حول شكل ونوعية اللباس، بين مؤيدٍ لمضمون الصورة باعتباره “حرية شخصية” تدخُل ضمن الحريات الفردية، ومنتقدٍ لذلك واصفاً الصورة بـ”المسيئة” إلى المسلِمات اللواتي يرتدين النقاب.
مشجّعون.. منتقدون وساخرون
انقسمت ردود الفعل حول نشر الصورة على بعض صفحات فيسبوك، إذ تراوحت تعليقات مستخدمي فيسبوك المغاربة ما بين مندِّد غاضب ومرحِّب بالفكرة مشجِّع لها.
بعض المنشورات على فيسبوك استنكرت شكل ونوعية اللباس الذي ظهرت عليه الفتاة، معتبرة الأمر “استهزاءً صريحاً بالدين الإسلامي وإساءة لمكانة الحجاب الشرعي”، كما ظهر ذلك في مضمون العديد من التعليقات المصاحبة للصورة.
بالمقابل، وبعد توضيحه لسياق الصورة المثيرة للجدل واضعاً إياها في قالبها الفني، رحّب العديد من متتبّعي المخرج المغربي هشام العسري بفكرة التعبير السينمائي عما تعاني منه المغربيات من مضايقات وتحرش يبقى في غالب الأحيان في طيّ المسكوت عنه، مُبْدينَ تشجيعهم له على مواصلة عمله حتى يخرج إلى الوجود.
هاد تصويرة عندي ليها بزاف ديال المعاني لي دارتها ماعرفتش اش كان القصد ديالها بالضبط ولكن معبرة فيها جزء من الواقع pic.twitter.com/HNqupEqTho
— مvy♊️ (@_vy16m) September 25, 2017
بينما رأى البعض في صورة الفتاة وهي ترتدي “ميني برقع” مادّة دسمة للتهكّم والسخرية.
Au boulevard à casa y a eu une meuf qui a eu le couilles de se pointer comme ça,this is oddly hot and sexy je comprends rien à ma vie ? pic.twitter.com/EWyTzR6Txs
— Mordfine (@JihaneJouihna) September 27, 2017
“ميني برقُع”.. جَعْجَعة بلا طحين
الانتشار السريع لصورة “مُنقبة البولفار”، كما لقّبها بعض مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، دفعت بالمخرج المغربي هشام العسري إلى الخروج بشكل أسرع عن صمته ووضع حدٍّ لما أثير من سجال حول الصورة ودوافعها، موضّحاً، في تدوينة نشرَها على حسابه بـ”فيسبوك”، أن الصورة مَثار الجدل تعود لمشاهد تصوير إحدى أعماله الفنية التي سترى النور قريباً، وهي “عبارة عن سلسلسة من ثلاثة أفلام موسيقية قصيرة بعنوان “Girl power hypra feminist and women celebration” تعالج بتهكّم وسخرية موضوع التحرش بالمرأة والنفاق الاجتماعي في التعامل مع قضاياها”، حسب العسري.
المخرج العسري الذي اعتاد تناول قضايا الشباب في المغرب، قال في حوار مع DW عربية، إنه لم يأبه لكل ما قيل بشأن الصورة التي شرَح خلفيات انتشارها، مضيفاً أن “كثرة الهرَج حولها يبقى دون جدوى ولا نتيجة”، “لأنه وصلنا في المغرب لدرجة من النقاش يتشبث فيها كل برأيه، فمقابل حرية التعبير هناك من يندد”، وبالتالي “لا داعي الآن لكل هذه الضجة حول الموضوع”.
“لم أقصد أو أتعمّد أبداً من خلال تلك المَشاهد المساس أو الإساءة إلى الدين الإسلامي أو الاستهزاء من النقاب، كما انتشر في التعليقات على الصورة”، يوضّح هشام العسري، المخرج المغربي المعروف بأعمال فنية “جريئة”، قبل أن يؤكد أن النقاش تم اختزاله في صورة لباس فتاة لم تكن سوى ممثلة لدور في فيلم.
العسري لم يُخفِ انزعاجه واستياءه، في الآن نفسه، من النقاش والجدل الذي أثارته الصورة على مواقع التواصل الاجتماعي، معتبراً أنها “مُجتزَأة من سياق الفيلم”، داعياً إلى إرجاء الحكم والتعليق على مضمون العمل إلى حين صدوره.
رأي نقدي
واقعة “مُنقّبة البولفار” ليست الحالة الوحيدة التي أثارت الجدل في المغرب حول حرية لباس المرأة خصوصاً والحريات الفردية بصفة عامة؛ فالعديد من الأحداث المماثلة سبق لها أن أفاضت كأس السجال وردود الفعل المضادة، ليست قصة فتاتيْ إنزكان أو ما اشتُهر حينها بـ”واقعة التنورة”، سوى أبرز تلك الحالات التي أحدثت ضجة تخطَّتْ حدود المغرب.
خلفياتُ الطرح المتجدد لموضوع اللباس وحريته بالمغرب حدّدها أستاذ علم الاجتماع، علي الشعباني، في “رغبة الاستفزاز المقصود وتشويه الذوق من خلال اللعب على المتناقضات والإثارة والغرابة”، وهو ما تجلى بوضوح، حسب الشعباني، في حالة صورة فتاة “البولفار”.
الشعباني أضاف، في حديث لـ DW عربية، أن “كل جديد بطبعه يجذب الأنظار ويلفت انتباه الناس” خاصة اذا تعلق الأمر بمواضيع تلامس غالبية المغاربة في ثوابتهم وقناعاتهم وقِيَمهم، معتبراً أن “ردود الفعل طبيعية تجاه مثل تلك الصورة لأنه حتى أكثر المجتمعات انفتاحاً لم تشهد لها مثيلاً من قبل”، مضيفاً أن “الردود لا تقتصر فقط على المحافظين في المجتمع بل قد تكون من الطرف المقابل في أحيان أخرى”.
حماية الحريات الفردية
وعن البدائل الممكنة التي من شأنها ضمان ممارسة الحرية الفردية بالمغرب، قال هشام العسري إنه لا يملك وصفة سحرية يمكن أن تشكّل حلاً لإشكاليات تثار وتستهدف الحريات الفردية بالمغرب، مشيراً إلى أن مفهوم الحرية يظل هو الخيط النّاظم لأعماله الأخيرة، التي تسعى إلى التعبير عن مشاكل المجتمع بقوالب فنية تتراوح بين السخرية والغرابة.
العسري لم يفوّت الفرصة للفت الانتباه أيضاً إلى الدور الهام الذي من الممكن أن تلعبه وسائل الإعلام باعتبارها صلة وصل بين المجتمع وأفكار الباحثين وعلماء الاجتماع فيما يخص قضايا تمس الأفراد في صميم حياتهم اليومية.
وفي الصدد نفسه، شدّد الأستاذ الباحث في علم الاجتماع، علي الشعباني، على أن النقاش المُثار حول الصورة “وجد لنفسه مكاناً داخل المجتمع لأن هذا الأخير يعيش على وقع فوضى قيمية واضطراب في الرؤية إلى المستقبل”، خاصة في ظل “ارتباك السلطة في التعامل مع مسألة الحريات الفردية”، فهي ما زالت حائرة في كل مرة تجاه مثل هذه القضايا.
الشعباني أكد، في معرض حديثه معDW عربية، على أن “التحولات الاجتماعية بطبعها تحتاج التدرّج والصبر”، مضيفاً أن “العمل والمجهود لبلوغ ذلك يَلزم أن يكون موازياً على مستويات وأصعدة عديدة في ظل مجتمع هجين ومتخلّف تعاني معظم مؤسسات تنشئته عطباً كبيراً”.
وتعيد قضية “فتاة البولفار المنقبة” إلى الأذهان مطالبَ النسيج الحقوقي بالمغرب بعد واقعة “التنورة القصيرة” التي حدثت سنة 2015 بإنزكان (جنوب المغرب)، حينما طالب بعض النشطاء الحقوقيين بضمان الحريات الفردية، وعدم فرض الوصاية على المرأة ولباسها، مع نشر ثقافة التسامح وتقبل الاختلاف.