كان هناك الكثير من التوقعات المبنية على المهرجان منذ الإعلان عنه، عادة ما تكون التوقعات سلاحًا مشهرًا ضد الطرف المُنتظر منه تحقيق هذه التوقعات، إذ كلما ارتفع سقف التوقعات صار الجميل عاديًا والرائع جيدًا فقط، لذا ربما كان هناك تحفز في الأيام الأولى للمهرجان ضد أي هفوة، لكن مع اليوم الثالث بدأت الأمور تأخذ شكلًا واضحًا بعيدًا عن المبالغة أو التقليل، وهكذا يمكن بسهولة الوصول إلى الكثير من المميزات التي تتفوق على السلبيات القليلة في المهرجان.
1- بالنسبة لأي محب للسينما، ما يبحث عنه في أي مهرجان سينمائي هو جودة الأفلام وتنوعها، وإذا وُجد هذا فإنه بالضرورة يكفي للتجاوز عن أي أخطاء أخرى. الأفلام المعروضة في المهرجان، المقسمة إلى ثلاث مسابقات، الروائية الطويلة، والقصيرة، والوثائقية الطويلة، احتوت على تنوع رائع ومشبع لأي عاشق للسينما.
2- بجانب الأفلام المميزة في المسابقات، جاء القسم الرسمي خارج المسابقة، ليحمل أفلامًا تكفي وحدها لصناعة حدثًا سينمائيًا مهمًا، منها الفيلم السويدي “The Square” (المربع) الحائز على السعفة الذهبية لمهرجان “كان”. في نفس القسم أيضًا عُرضت تجربة مخصصة لعشاق السينما وهي فيلم “52/78″، فيلم بالكامل عن مشهد سينمائي من فيلم آخر، هو مشهد جريمة القتل الأشهر في فيلم “Psycho” (مضطرب نفسيًا) لألفريد هيتشكوك، ويقدم الفيلم خلال ساعة ونصف حوارات مع عدد من صناع السينما.
3- من الميزات التي تفتقر إليها الكثير من المهرجانات المصرية، وجود ترجمة عربية مصاحبة للأفلام، نظرًا للتكلفة الإضافية التي تحتاجها الترجمة الإلكترونية. في مهرجان الجونة السينمائي روعيت هذه النقطة وكانت معظم الأفلام الهامة مترجمة.
4- ظهرت في المهرجان المحاولة الأولى لصناعة مكتبة فيلمية لأفلام المهرجان مثلما هو الحال مع الكثير من المهرجانات الكبرى، وهذه المكتبة تتيح عرض أفلام المهرجان على شاشات كمبيوتر، حتى تتاح الفرصة للصحفيين والنقاد وصناع الأفلام متابعة ما فاتهم. ربما لم تعمل هذه المكتبة بكامل طاقتها في الدورة الأولى، لكن بلا شك أنها من الخدمات المهمة التي ربما تظهر بشكل كامل في الدورة القادمة.
5- عدم وجود سوق سينمائي وعدم وجود جوائز مادية في معظم المهرجانات المصرية، هو عائق دائم للحصول على الأفلام الجيدة كعرض أول، بالتأكيد يبحث أي صانع أفلام عن الدعم المالي لإنهاء مشروعه الحالي أو لبدء مشروع جديد. وجود جوائز مالية مرتفعة القيمة، بالإضافة للجوائز المالية المقدمة من منصة الجونة لدعم المشروعات الجديدة أو قيد التطوير، يقدم للمهرجان عددًا من المميزات.
6- لا يخفى على أحد انسحاب عدد من الأفلام، ومنها الأفلام المصرية، من المهرجانات المصرية والتوجه إلى مهرجان دبي، ليشهد عرضها الأول في المنطقة، وجود الجوائز المالية سيجعل من مهرجان الجونة خيارًا قويًا. النقطة الأخرى هي أن تقديم الدعم المالي للمشاريع الجديدة يسهّل للمهرجان فرصة الحصول على حقوق عرضها الأول عالميًا.
7- وصولًا إلى هذه النقطة، فإن حصول عدد من المشاريع على دعم مادي جيد، وصل إلى 20 ألف دولار، الجائزة التي حصل عليها المخرج شريف البنداري، لتنفيذ مشروعه المنتظر “أوضتين وصالة”، هذه الدعم يدفع بالتأكيد بصناعة السينما إلى الأمام وهو أمر نحن في أمس الحاجة إليه.
8- على هامش المهرجان عُقدت العديد من حلقات النقاش والندوات، منها محاضرة (Master Class) عن التمثيل لفورست ويتيكر، وأخرى عن الإخراج للمخرج أوليفر ستون، وإن تحولت المحاضرتان سريعًا إلى ندوات للإجابة عن أسئلة أغلبها تقليدي وابتعدت عن هدفها الرئيسي.
9- كان الحال أفضل كثيرًا مع المحاضرة المشتركة بين محمود حميدة والمخرج أسامة فوزي، التي ناقشا فيها ذكرياتهما وبعض كواليس صناعة الأفلام التي جمعتهما، بجانب حديث حميدة لاحقًا عن تجربته في الإنتاج، وما رآه من صعوبات آنذاك.
10- رفع المهرجان شعار”سينما من أجل الإنسانية“ لفيلم ”سُفرة“، لكنه لم يكتفِ به كشعار مكتوب فقط، بل كانت هناك بالفعل الكثير من الأفلام التي تدور حول تيمة الإنسانية مثل ”سُفرة“ و“قضية رقم 23“ و“Breathe“ (تنفس) وغيرها. وعن طريق بطاقات استفتاء توزع على الجمهور بعد انتهاء هذه الأفلام، وقع الاختيار على فيلم ”سفرة“ ليحصل على جائزة ”فيلم من أجل الإنسانية“.
11- الجوائز، بالنسبة لمسابقة الأفلام الروائية الطويلة، جاءت معظمها في إطار المتوقّع باستثناء جائزة أفضل فيلم عربي التي ذهبت لفيلم “فوتوكوبي” لتامر عشري، مع وجود الفيلم المصري “شيخ جاكسون” واللبناني “قضية رقم 23” في المنافسة كان هذا الاختيار غريبًا.
12- فوز فيلمي “Scary Mother” لآنا أوروشادزي، و”قضية رقم 23″ لزياد دويري، بجائزتي النجمة الذهبية والنجمة الفضية على الترتيب، كان خبرًا سارًا، الفيلمان بالفعل من أفضل الأفلام المتنافسة في المسابقة.
13- اختيار فيلم الختام كان يحتاج إلى إعادة نظر، كان في المهرجان الكثير من الأفلام المهمة، أو الأفلام “الحدث” التي يمكن لعرضها في الختام أن يضفي قيمة كبيرة. الاختيار وقع على الفيلم الوثائقي “Human Flow” (تدفق بشري) للمخرج الصيني آي ويوي، الذي يمتد لساعتين وثلث الساعة، وهي مدة طويلة نسبيًا، بالإضافة لأن الفيلم يتناول اللاجئين كخط رئيسي، وهو الموضوع الذي كانت عدة أفلام في المهرجان قد تناولته بالفعل.
هل يعني ما سبق أن المهرجان بلا أخطاء؟ بالتأكيد توجد أخطاء، ولكن بالنظر إلى أننا أمام الدورة الأولى، وبالنظر أيضًا إلى وجود الكثير من الإيجابيات والإضافات الهامة للمهرجانات المصرية، فإن الجانب المشرق في المهرجان يستحق الكتابة والذكر بالأكثر. مهرجان الجونة السينمائي، أحد أهم الأحداث السينمائية في مصر في عام 2017، وعله يظل دائمًا ضمن قائمة الأفضل والأهم في دوراته اللاحقة.