رباب طلعت
في عام 2002، تلك الفترة التي يذكرها على الأخص مواليد الثمانينات، انطلق مسلسلٌ شبابي، ليس تقليدي، بمعايير الدراما وقتها التي لم تكن تدرك بعد مفهوم “السيت كوم”، حمل اسم “شباب أون لاين”، برزت من خلاله “ليليان” الوجه الجديد، فتاة طويلة ونحيفة، كانت تشير خلال المقابلات معها ما بعد المسلسل إلى أن تلك المواصفات “عقدتها”، حيث حاولت كثيرًا أن يزداد وزنها دون جدوى، فـ”تركيبتها كده”، ولم يكن يدرك أحدٌ وقتها أن تلك الفتاة الشابة ستصبح في المستقبل القريب فنانة شاملة، ذات مواهب عدة، أو ظاهرة تسمى بشرى، “بشرى” فقط دون اسم آخر، وظلت كذلك لسنوات، حتى قررت مؤخرًا خلال فعاليات الدورة الأولى من مهرجان الجونة السينمائي، أن تستخدم كنيتها “رزة”.
بشرى أحمد عبد الله رزة، تلك التركيبة الغريبة والخفية على الكثيرين، حيث إنها أحد الفنانات التي لا تجد حولها زخمًا من الأخبار أو الشائعات، ولا تظهر إلا في عمل فني، ففي بداية شهرتها تمامًا تجدها مذيعة، ثم ممثلة، ومنها مغنية، ومنتجة، وعازفة، واستعراضية، وأخيرًا مؤسسة مهرجان ضخم استطاعت من خلاله ليس فقط انعاش السياحة، باستضافة نجوم عالميين، جعل الأمر مثيرًا لاهتمام الصحف الأجنبية، ولكن توحيد الأخوين نجيب وسميح ساويرس، المعروف عنهما العمل منفردين لاختلاف رؤيتهما، في حدث كبير مثل “الجونة السينمائي”، جعل الأخير، يعترف في حفل الختام أنه اكتشف أنه وشقيقه عندما يريدان العمل معًا سينجحان نجاحًا كبيرًا.
ظهور بشرى، كمؤسسٍ، وعاملٍ أساسي في نجاح “الجونة السينمائي”، وقرارها بربط اسم أسرتها أخيرًا باسمها أيضًا من خلاله، كذلك طلاقتها في اللغة الإنجليزية، في تقديم حفلي الافتتاح والختام، تصريحاتها الهادئة، وثباتها الإداري، أثار تعجب الكثيرون، الذين لم يعرفوا ملامح ليست بخفية من حياتها وإنما منسية، أو غائبة عنهم، يرصدها “إعلام دوت أورج”، فيما يلي:
(1)
هي ابنة واحدٌ من أصحاب النضال الوطني والسياسي، وهو أحمد عبد الله رزة، ولدت بشرى، في بريطانيا، وحملت جنسيتها، وقتما كان والدها يُحضر رسالة الدكتوراة في السياسة، ووالدتها الماجيستير في الاقتصاد، لتظل هنالك 10 أعوام، تعلمت 5 لغات في طفولتها، وعلمها والدها الموسيقى، وكانت محبة للفن من صغرها، حيث كانت كبيرة أسرتها، فكانت تجمع أطفال العائلة، لتسخرهم في خدمة شغفها، بعضهم يجمع الأوراق ويرسمها كأنها تذاكر مسرح، وآخرين يمثلون معها، وهي تأخذ دور البطولة، حتى يحين وقت دخولها المجال الفني كما تحلم، والذي اتخذت من تقديم البرامج سلمة للوصول له، أو “بابًا شرعيًا”، كما وصفته، نظرًا لإصرار والدها على عدم مساعدتها، واعتمادها على نفسها في الوصول لما تطمح.
(2)
بين أب مناضل وطني، وأم مستشارة تنمية بشرية في مجال المرأة والطفل، ترعرعت بالرغم من انفصالهما، فكانت ترافقهما بعد عودتها إلى مصر، للقرى والعشوائيات، وتركب على “الحمار” للتنقل فيها، لكي يؤكدان لها كم هي محظوظة -على حد تعبيرها- ما أثرى فيها “قلب الفنانة”، كما تصفه، الذي يجب أن ينبض بمشاكل حقيقة، تلمس كافة المستويات، وتناقش القضايا التي “تتحرش بالمواطن”، كما وصفتها، لذلك كانت أدوارها، نابعة من الحالة العامة، فوقتما يحتاج الجمهور لكوميديا، فواجبها إضحاكه، لذلك تشارك في “العملية مسي”، أو “مش رايحين في داهية”، أو “جدو حبيبي” وغيرها، أو تمثل بل وتشارك في إنتاج الأفلام ذات القضايا الهادفة، التي يخاف المنتجين منها كونها ليست تجارية، فتجازف من أجل “الفكرة الحلوة”، فتقدم “أسماء”، و”6 7 8″، وغيرهما، إلا أنها أيضًا وبالرغم من إيمانها بالهدف ترفض بطولة فيلم كـ”هي فوضى”، لمجرد اعتراضها على تجسيد مشاهد وصفتها بـ”الجريئة”.
(3)
“عشان تكون منتج لازم قلبك يكون ميت”، هكذا أوضحت للإعلامي رامي رضوان، في “صباح ON”، أثناء استضافتها، في إحدى الحلقات، سبب قرارها بأن لا تستمر في الإنتاج، إلا لإنقاذ فكرة لم تجد منتجًا مجازفًا يتبناها، كي تظهر الأعمال الجيدة للنور، إلا أنه ولأن التمثيل هو هوايتها، وهو يحتاج لقلبٍ نابضٍ، فهو الأساس، لكن تظل الموسيقى، هي الهواية والشغف، لذلك كان الإنتاج في حياة بشرى، دورٍ ثانٍ وليس البطولة.
(4)
للموسيقى في حياة بشرى مكانة خاصة، حيث علمها والدها العزف منذ كانت طفلة، وتعلقت بها خاصة أن صوتها مؤهل للغناء، إلى أن التحقت ببرنامج “إستوديو الفن”، الذي كان يُحكم فيه وقتها 10 حكام، منهم فاروق الشرنوبي، وسيد حجاب، ونيللي، وأمينة شلباية، وآخرون، وحصلت فيه على المركز الأول، وإشادة العديد من الفنانين منهم سمير صبري وسليم سحاب، ولقبت وقتها بـ”صاحبة الصوت الوردي” عليها، لكن ذلك لم يكن باب شهرتها، حيث إن المفاجأة الحقيقية لجمهورها كان بمشاركتها للفنان محمود العسيلي، في دويتو “تبات ونبات”، والذي لحقته بعد ذلك بعدة أغاني، كشفت وجهًا آخر من بشرى الفنانة الشاملة.
(5)
الوجه الخفي من بشرى أيضًا، غير الإنتاج، كان الاستعراض، حيث شاركت بشرى في مسرحية غنائية راقصة، يندر وجودها على شبكة الإنترنت وهي “براكسا”، للكاتب الكبير توفيق الحكيم، من ﺇﺧﺮاﺝ نادر صلاح الدين، الذي أعاد صياغتها للمسرح، ظهرت من خلالها بشرى بثوب الفنانة الاستعراضية، حيث مثلت وغنت ورقصت.
(6)
بجانب الفن، بشموليته عند بشرى، تمثيلًا وغناءً وإنتاجًا، هنالك بشرى الفنانة الإنسانة، حيث من المعروف عنها في الوسط الفني، أنها الأكثر ودًا بين أصدقائها ومعارفها، كثيرة العطاء للآخرين، ليس ذلك فقط، بل هي نبتة العمل المجتمعي لوالديها اللذان أفنيا حياتهما في مساعدة الناس كما كانت تصفهما، لذلك كانت كثيرة المبادرات التي تحاول من خلالها أن تسير على خطاهما، وكان منها مبادرة “الفستان”، التي احتلت بها حيزًا من حلقات “معكم”، مع الإعلامية منى الشاذلي، حيث دعت الفنانات للتبرع بأحد أثوابهن، للدخول في مزاد علني، يذهب ريعه إلى إحدى المؤسسات الخيرية التي تحتاج لإعالة، وتبرعت هي بفستان زفافها.
(7)
بالرغم من أن تربية بشرى التي عادت من بريطانيا إلى مصر وهي 10 أعوام، في منزل مشغول بالشأن السياسي، جعلها “تخاصم” السياسة كما صرحت من قبل، واتجهت للفن، إلا أنها أخذت من تلك البيئة عدة سمات، أهمها تعلم 5 لغات، أجادتهن بطلاقة ظهر جزءٌ منها خلال كلمتها في مهرجان الجونة السينمائي، ولكن قبل ذلك بسنوات ظهرت من خلال برنامج “الشقة”، مع الفنانة هند صبري، التي كشفت عن موهبة مختلفة تمتلكها بشرى وهي تقليد نطق الأجانب للغة الإنجليزية، كجزءٍ من موهبة التقليد التي تتمتع بها للفنانين والمشاهير، والتي ظهرت في لقاءات عدة منها لقائها مع الفنان هاني رمزي.
(8)
ثقافة بشرى من الأشياء غير الواضحة، حيث إنها تظهر في أغلب اللقاءات بشكل عفوي، وبسيط ومحبب للقلب، حيث تحاول بشكل لافت البعد عن السياسة أو المواقف السياسية الصريحة، حفاظًا على تاريخ والدها، كي لا تظهر موقفًا خاصًا بها يجعل أحدهم يقول: “شوف ضيعت تاريخ أبوها”، حسبما صرحت، في لقائها مع الإعلامي يوسف الحسيني، لكن ذلك لم يمنعها من كونها عقلية منفتحة على ثقافات غربية بحكم جنسيتها الأخرى، وبحكم تعلمها للغات، ونشأتها أيضًا، ما جعل ذلك كله، يسهل عليها مهمة إنجاح الهدف السياحي لمهرجان الجونة السينمائي، باستقطاب نجوم عالميين ودعوتهم فيه، وظهورها بشكلٍ جديدٍ على جمهورها، كـ “بشرى رزة”.