محمد أبومندور: إعلام ..أمي

يولد الإنسان وتكون أول وسيلة اعلام أو تواصل يتعامل معها هي الأم، فهي تعلمه كيف يضحك وكيف يأكل ويشرب، وكيف يبدأ في تذوق الموسيقى والشعر. يتعلم بالتجربة والخطأ، كيف يطلب وهو في المهد وكيف يعترض على وضعه في السرير يشكل غير ملائم وكيف بيدي سعادته بالتفاعل مع ألعاب بسيطة. ثم يتطور الأمر لتلقنه أمه كيف ينطق الكلمات.. لتكون أول كلمة ينطقها هي “ماما” قبل أي كلمة أخرى.

 
وتتطور الحالة الإعلامية بالتدرج في العمر فمن التحدث والكلام إلى إلى الغناء والتعبير الجسدي، ثم التفكير والنقد والقبول والرفض. الأم تتكفل بوضع سياسة اعلامية رصينة منبعها الحب بلا غرض أو انتظار لمردود لتنمية مدارك ومعارف ابنها فتعلمه ما يجب عليه فعله وما يجب ألا يفعله ما يقوله وما لا يصح أن يقال. كل ذلك بلا هيكل إداري أو نموذج استثماري ووضع سياسات أو برتكولات فارغة لا تسمن ولا تغني من جوع.

 
أمي أنا دأبت منذ نعومة أظافري على توجيهي بشكل عفوي نحو ما هو مفيد ومسلي في كل يقع تحت حواسي من معلومات فكانت حريصة على أن اتابع برامج مثل بابا ماجد عبد الرازق في القناة الأولى وماما نجوى كبرامج اطفال جيدة بمقاييس وقتها وأن اقرأ الصحف كالأهرام والأخبار والمجلات المتنوعة خصوصاً روز اليوسف وصباح الخير مع الإشارة الدائمة لأبواب أو مقالات بعينها كالتي يكتبها مفيد فوزي، منير عامر أو كاريكاتير وشعر صلاح جاهين أو بورتريهات حسين بيكار ونادي وجاذبية سري وكاركاتير تاج وحاكم ورمسيس وتحقيقات نجلاء بدير وأعمدة أحمد بهاء الدين وصلاح منتصر وأنيس منصور وعبدالوهاب مطاوع. كما كانت تحرص على إسماعي برامج إذاعية ذات قيمة مثل كلمتين وبس لفؤاد المهندس وزيارة لمكتبة فلان لنادية صالحن لغتنا الجميلة لفاروق شوشة وبالطبع كانت البداية مع أبلة فضيلة توفيق.

 
أمي.. أعلمتني أن السينما فن ومعنى رفيع تنصهر فيه كل الفنون المرئية والمسموعة، فصحبتني للسينما لمشاهدة أفلام ذات قيمة فنية عالية بداية أفلام الكرتون العالمية في سينما مترو كل يوم جمعة، إلى “اسكندرية ليه؟” ليوسف شاهين و”أغنية على الممر” لعلى عبد الخالق.كما أعلمتني أن المسرح أبو الفنون وحضرت العديد من المسرحيات في أثناء عرضها على المسرح سواءاً مسرح القطاع العام أو الخاص.

 
أمي أعلمتني أن للقراءة معنى ومتعة وقيمة، كانت تأتي لي بالكتب لكي أقرأها على تنوع مواضيعها بالرغم من كوني في الحادية عشرة من عمري إلا إني اتذكر أنني كنت أقرأ لعباس العقاد، احسان عبد القدوس، أنيس منصور، طه حسين، يوسف السباعي، نعمان عاشور، ثروت أباظة،كامل الكيلاني، محمود سالم… وكانت تدفع لي ثمن الكتب التي انتهي من قراءتها إلى أن تمكن مني شغف القراءة فابتسمت وقالت الآن اعتمد على نفسك ادفع لتقرأ وتعرف.وما زلت أدفع. علمتني ما نفعني وما زال ينفعني. ويبقى السؤال ماذا يفعل إعلامنا هذه الأيام سوى تشويه الأجيال القادمة بتقديم ما لا قيمة له أو مردود من ورائه.

 
وقبل أن تعيد كل القنوات والإذاعات والجرائد والمجلات التشدق بأغاني فايزة أحمد “ست الحبايب يا حبيبة” وأغنية سعاد حسنى “ماما يا أمي يا أماتي” ومحمد فوزي “ماما زمانها جاية”، في عيد الأم اود أن اقول أن أمي .. أفضل من مئات وزارات الإعلام والتعليم والإرشاد والتوجيه المعنوي، كل عام وهي وكل الأمهات بخير وصحة وسلامة.

اقرأ أيضًا:

محمد أبو مندور : إعلام “التكاتك” الموازي

محمد أبو مندور: إعلام مؤيد أم معارض

محمد أبو مندور: (طرق مصر).. يرصد، يعرض، يسخر، ويُبكي

محمد أبو مندور: أسمع كلامك أصدقك، وأسمع برامجك استغرب!

محمد أبومندور: ليت قومي يقرأون

تابعونا على تويتر من هنا 

تابعونا على فيسبوك من هنا