وليد رشاد
كل ما سنفعله هو أن ندير عقارب الزمن إلى الوراء حوالي 28 سنة (إلا 40 يوما)، ونعود ونتذكر أحداث واحدة من أهم المباريات في تاريخ الكرة المصرية، وهي مباراة العودة أمام الجزائر في إستاد القاهرة يوم 17 نوفمبر 89، في المرحلة الختامية من تصفيات مونديال إيطاليا 90. ورغم التعادل الممتاز ومباراة الذهاب الرائعة التي قدمها المنتخب المصري في قسنطينة في الجزائر يوم 8 أكتوبر، إلا أن الموقف المصري في مباراة العودة كان عصيباً. وبات على كتيبة “محمود الجوهري” ضرورة تحقيق الفوز في القاهرة، لأن أي هزيمة أو أي تعادل إيجابي يصل بالجزائر مباشرة إلى المونديال، بينما التعادل السلبي يضع المنتخب أمام أكبر عقدة في الثمانينات وهي عقدة الضربات الترجيحية.
تلك العقدة التي أطاحت بالمنتخب من الدور قبل النهائي في بطولتي إفريقيا 80 و84 أمام الجزائر ونيجيريا، وكذلك البطولة الأفرو-آسيوية أمام كوريا الجنوبية في يناير 88 وقبل نهائي كأس العرب أمام سوريا في يوليو 88، ويكفي لإدراك حجم العقدة أن نلقي نظرة على أسماء كبار النجوم الذين أضاعوا ضربات الترجيح، وهم على الترتيب: “محمود الخطيب”، “محمد عامر”، “محمود حسن”، “إبراهيم يوسف”، “محمد رمضان”، “أيمن يونس”، “إسماعيل يوسف”، “علاء ميهوب”؛ في حين لم تنصف ضربات الترجيح مصر في بطولات كبرى خلال عقد الثمانينات إلا في نهائي إفريقيا 86 أمام الكاميرون، رغم إضاعة كابتن الفريق “مصطفى عبده” ضربة ترجيح أيضاً!!
وعودة إلى جمعة المباراة التاريخية، فقد احتشدت الجماهير من الصباح في إستاد القاهرة قبل ساعات من بداية المباراة في الثالثة عصراً (وربما انتظر البعض من الأقاليم ليلة المباراة أمام الإستاد). وأحاطت بالجميع دعوات الملايين خاصة في صلاة الجمعة، وذهب “الجوهري” إلى إستاد القاهرة بكل أهل الثقة من لاعبيه، بما فيهم أحد أهم رجال التصفيات وهو “أشرف قاسم” الذي ذهب على عكازين من أجل الدعم المعنوي لزملائه فقط، بسبب الإصابة الكبيرة التي لحقت به قبل المباراة، رغم أنه كان أحد نجوم مباراة الذهاب. واستعان الجنرال بتشكيله الأساسي الذي يطمئن إليه، أملاً في تخطي العقبة الأخيرة، بينما جاء الفريق الجزائري للقاهرة مدعماً بمعظم نجومه المحترفين الكبار.
ولم يكن بالفعل هناك في مدرجات إستاد القاهرة موضعا لقدم، واختفت أصوات الإذاعة الداخلية التي أذاعت التشكيل وسط هتافات وزئير الجماهير الغفيرة، وبدأ “الجوهري” المباراة بالتشكيل التالي: في حراسة المرمى أحمد شوبير (1)، وفي الدفاع الخماسي إبراهيم حسن (2) – ربيع ياسين (3) – أحمد رمزي (4) – هشام يكن (5) – “هاني رمزي (6)، وجناح أيمن هشام عبد الرسول (7)؛ وفي منتصف الملعب (الديفندر حالياً) مجدي عبد الغني (8)، وجناح أيسر أحمد الكاس (11)، وفي الهجوم الثنائي حسام حسن (9) – جمال عبد الحميد (10)؛ وهي من المرات الطريفة بالنسبة لأرقام اللاعبين، حيث إن أرقام لاعبي المنتخب كانت في منتهى الدقة والانتظام، وكلاسيكية إلى حد بعيد؛ وكانت محصورة فقط من 1 إلى 11، مما يؤكد على حالة التركيز الشديدة قبل المباراة، قبل أن تتغير الأرقام بعد الوصول للمونديال ويرتدي أحمد رمزي (13)، الكاس (20)، هاني رمزي (4)، وبذلك اختل النظام الدقيق للأرقام!!!!
وكان الاحتياطي المصري هم: طاهر أبو زيد – صابر عيد – بدر رجب – طارق سليمان، والحارس خالد مصطفى؛ وكان تشكيل الجزائر مرعباً إلى حد كبير: في حراسة المرمى العربي الهادي، وفي الدفاع عجاس – مغاريا – بن حليمة – صرار، وفي الوسط فرحاوي – عمان – بلومي، وفي الهجوم جمال مناد – رابح ماجر – شريف الوزاني، بقيادة المدرب المخضرم عبد الحميد كرمالي.
وبدأت المباراة بضغط قوي من المصريين حتى جاءت الدقيقة الرابعة وقلش “هشام عبد الرسول” الكرة أمام منطقة جزاء الجزائر، فذهبت الكرة ناحية اليسار إلى “الكاس”، الذي رفع عرضية متقنة ناحية المرمى الجزائري، واصطدم “أحمد رمزي” بالحارس الجزائري الذي سقط، بينما وضع “حسام حسن” الكرة في المرمى الخالي واحتسبها الحكم هدفاً. واستمر سقوط الحارس الجزائري وسط احتفالات أسطورية؛ ونهض الحارس الجزائري واستُكملت المباراة واشتعل الملعب بالحماس، وكان الشوط الأول سجالاً بين المنتخبين.
وبدأ الشوط الثاني بتغيير الحارس الجزائري، ونزل الحارس الاحتياطي “عنتر عثماني”؛ وفي بدايات الشوط الثاني داعب “الجوهري” مشاعر الجماهير حينما دفع بالاحتياطي للتسخين، وبخاصة معشوق الجماهير “طاهر أبو زيد”. وضغط المنتخب الجزائري بكل لاعبيه، بينما استبسل اللاعبون المصريون، وخاصة “أحمد رمزي” الذي أدى مباراة العمر، لدرجة أنه أصيب بشد عضلي متكرر بسبب المجهود الكبير الذي بذله. ومع الضغط الجزائري وقتالية الدفاع المصري اضطر “الجوهري” كعادته الدفاعية إلى سحب “الكاس” المتألق في الدقيقة 77، ودفع باللاعب “بدر رجب” لتأمين الناحية الدفاعية، ولم يدفع بالطبع بماردونا النيل؛ وقبلها بستة دقائق، دفع المدير الفني الجزائري “عبد الحميد كرمالي” (الذي لم تفارق الساعة يده)، بالمتألق “شريف ودجاني” بديلاً عن “الأخضر بلومي”.
وقبيل نهاية المباراة تتوالى الفرص المصرية السهلة الضائعة في ظل الاندفاع الجزائري، وضاعت كرة من “أحمد رمزي” قبل أن يسقط خارج الملعب بتأثير الشد العضلي، وأصيب”حسام حسن” بالخضة حينما انفرد بالمرمى الجزائري وأعاد الكرة بغرابة شديدة إلى الخلف إلى “جمال” الذي كان في مكان أسوأ منه، ربما لأنه خشي أن يكون صاحب هدفي الفوز وربما تصور أن “عبد الحميد” يمكن أن يسجلها؛ وقبلها أعاد “حسام” كرة عجيبة من قبل منتصف الملعب المصري إلى الحارس “أحمد شوبير”، وكذلك أطاح “هشام عبد الرسول” بكرة أخرى سهلة خارج المرمى.
وحرص المدير الإداري للمنتخب “سمير عدلي” على الإشارة بالخمسة للاعبين المصريين لتوضيح أن المتبقي من الوقت 5 دقائق فقط، ولكن كادت قلوب الجميع أن تتوقف قبل نهاية المباراة بدقيقتين حينما أنقذ “شوبير” ببراعة كرة في منتهى الخطورة، بعد دربكة في منطقة جزاء الفراعنة، وسط ذهول الجميع. وكادت تلك الكرة أن تحقق هدف التعادل الجزائري، الذي كان يعني خروج مصر من تصفيات المونديال. ومرت دقائق الوقت بدل الضائع ثقيلة على المصريين سواء في الملعب أو أمام شاشات التلفزيون، حتى أطلق الدولي التونسي “علي بن ناصر” صافرة نهاية المباراة، معلناً فوز مصر (1-0) ووصولها لمونديال إيطاليا 90 ونهاية صيام 56 عاماً؛ فهل يطلق حكم مباراة الكونغو اليوم الجامبي “باكاري جاساما” صفارة النهاية معلناً وصول مصر لمونديال روسيا ونهاية صيام 28 عاماً؟؟!!