الهوس الديني من الأسباب الرئيسية لفشل المصريين في كافة المجالات، ومن نتائجه الوخيمة اعتبارهم أن كل نجاح بتوفيق من الله فقط، وهذا التوفيق الإلهي لا يحتاج إلى اجتهاد ومثابرة لكنه يحتاج فقط إلى رضا من الله، وهذا الرضا الإلهي كما يتخيل الكثيرون لا يتحقق إلا بحرمان غير المسلمين من التواجد نهائيا على الساحة.
هذا الخلل النفسي والمعرفي ظهر جليا في المباريات التي أهلت منتخب مصر لكرة القدم إلى كأس العالم، فقد خرجت مذيعة شهيرة لتتنبأ بفشل المدرب الأجنبي المسيحي هيكتور كوبر، في قيادة المنتخب المصري إلى كأس العالم لأنه لا يقرأ الفاتحة مع اللاعبين المسلمين، وعلى هذا الأساس الأحمق يمكننا أن نستنتج أن منتخب البرازيل يقرأ القرآن الكريم قبل كل مباراة حتى يصل إلى هذه البراعة الرياضية التي يبهرنا بها في جميع مبارياته!
في حقيقة الأمر ليست المذيعة مسئولة وحدها عن هذه الثقافة الفاشلة الجاهلة المزروعة في عقلها منذ صغرها، فالكثير من المصريين يؤمنون بهذه الثقافة ويعيشونها يوميا بحالة من الشيزوفرينيا النفسية، والأزمة أنها ليست ثقافة جامدة إنما ثقافة مثمرة تثمر ثمارا فاسدة على طول الخط، فغالبية -إن لم يكن كل- النوادي الرياضية المصرية تمتنع عن ضم الأقباط للعب فيها مهما وصلت مهاراتهم بسبب ديانتهم المسيحية، وهذا بالتأكيد له ثماره الفاسدة، فهو يدفع الأقباط إلى الانقطاع عن المجتمع واللجوء إلى ملاعب الكنيسة حتى يخرجون شحنتهم الرياضية، لكي يخرج علينا من يقول أن الكنيسة دولة داخل الدولة، والكنيسة ليست دولة بالتأكيد إنما مجتمع مسيحي له صفاته الراقية، قد تشكل بهذا الشكل بسبب التطرف والتشدد المترسخ في هذا المجتمع الذي ينتج تمييزا ساطعا ضد غير المسلمين، وهذا بالقطع يدفع إلى التقسيم، لكن المسؤولين ليسوا متفرغين إلى فحص وحل هذه المأساة المتوسعة إنما يتفرغون فقط لترسيخ الطائفية بطمس الحقائق وعدم حل المشكلات الطائفية من المنبع بدعوى الحفاظ على المجتمع من الطائفية!
مسمى “منتخب الساجدين” الذي يعبر عن المنتخب المصري لكرة القدم في المحافل الإذاعية والإعلامية، هو مسمى طائفي بامتياز، لأنه يمنع انضمام المسيحيين إليه بأسلوب غير مباشر؛ والغريب أن مدربه الحالي “كوبر” الذي أوصله إلى منافسات كأس العالم بعد 28 عاما من الحرمان مسيحي أرجنتيني، فهل سيدفعون المدرب إلى اعتناق الإسلام مثلا حتى يريحوا ضمائرهم وينجحوا تخيلاتهم المريضة في فرض الرؤية الدينية على الساحة الرياضية؟!
أعظم لاعب في العالم في الوقت الراهن هو ليونيل ميسي، المسيحي وحامل لواء الصليب في جميع ملاعب العالم، الذي يرشم الصليب كلما أحرز هدفا في مرمى الخصم، فهل يقبل مشجعوه من المسلمين أن نسميه “راشم الصليب” أو “حامل لواء الصليب في الملاعب”، أو نسمي نادي برشلونة الذي يقوده بمنتخب راشمي الصليب؟
بالقطع هذا التصنيف سوف يسبب امتعاضا وضيقا داخل صدور المسلمين لأنه تصنيف طائفي، وهذه عينة مما يحدث للأقباط في بلادهم، لكن أحدا لا يسمع ولا يواجه.
أخيرا، الله عادل وعدله يقتضي أن يأخذ كل ذي حق حقه، فكل إنسان يحصد ما يزرعه؛ الذي يزرع الاجتهاد يحصد النجاح، والذي يزرع الطائفية والتمييز يحصد الفشل باقتدار.