محمد سلطان محمود
(1)
صيف عام 2002
محمد صلاح، طفل في العاشرة من عمره، يعشق كرة القدم، يقرر والده أن يصطحبه إلى إختبارات ناشئي نادي طنطا فيتم رفضه، ثم يصطحبه إلى إختبارات نادي بلدية المحلة ليواجه الرفض مرة أخرى، صلاح غالي الأب المؤمن بموهبة نجله الصغير يرفض الاستسلام، فيصطحب صغيره محمد إلى إختبارات نادي عثماثون أو مقاولون طنطا، ليقوم الطفل بإبهار مدرب الفريق مصطفى قرني بمهاراته التي دفعته للإندهاش من رفض مدربي طنطا والبلدية للطفل الصغير، وسارع بضمه إلى فريقه.
(2)
صيف عام 2006
محمد صلاح، المراهق في الثالثة عشر من عمره، يشاهد فوز الأهلي على الصفاقسي التونسي بهدف في الثوان الأخيرة لصانع الألعاب محمد أبو تريكة، تبهره قدرة أبو تريكة على منح فريقه الأمل دائمًا، ومثل أي طفل يلعب كرة القدم، يحلم صلاح أن يكبر ويصبح لاعب محترف ويلعب في منتخب مصر بجوار قدوته محمد أبو تريكة صاحب الـ28 عاما وقتها، وهو حلم كان يبدو صعب تحقيقه لوجود فارق عمري بينهما يقترب من الـ14 عام.
(3)
صيف عام 2010
المراهق الذي لم يكمل عامه الثامن عشر يتم استدعاءه للفريق الأول في نادي المقاولون العرب، وقبل نهاية العام يخوض مباراة انتظرها كثيرًا أمام نادي الأهلي، فريق يضم في مهاجميه محمد بركات، ومحمد أبو تريكة، والنجم الأهم حينها محمد ناجي جدو، وجود كل هؤلاء النجوم في الملعب يحفز صلاح لإبراز أفضل ما لديه، الفتى الصغير لم يسبق له تسجيل أي هدف مع فريقه، لكنه بعد 10 دقائق من الشوط الثاني يقود المقاولون العرب للتقدم بهدف أصبح فيما بعد “طريقته التقليدية في اللعب”، كرة طويلة من منتصف ملعب المقاولون، يتسلمها صلاح وينفرد بحارس مرمى الأهلي ليضعها بكل سهولة في المرمى، قبل أن يتعادل أحمد شكري للنادي الأهلي في الدقيقة 91 من المباراة التي إحتسب الحكم فيها 6 دقائق كوقت بدل ضائع، خرج المقاولون من المباراة بنقطة التعادل، لكن صلاح خرج فائزًا بقدرته على لفت الأنظار خلال المباراة.
(4)
سبتمبر عام 2011
نادي المقاولون العرب مر بموسم سيء تم تبريره بسبب توقف الدوري المصري لفترات بسبب أحداث ثورة 25 يناير، احتل المقاولون المركز السادس عشر (الأخير) بنهاية الموسم، ويبدو أن مسيرة صلاح ورفاقه تتجه إلى دوري الدرجة الثانية، لكن اتحاد الكرة يقرر إلغاء الهبوط في ذلك الموسم، وصعود ثلاثة فرق من دوري الدرجة الثانية، هي سموحة، وادي دجلة ومصر المقاصة.
القدر يمنح صلاح فرصة أخرى، وهي استدعائه إلى منتخب مصر الأول للمرة الأولى، ليحقق حلم طفولته بمزاملة محمد أبو تريكة، وبعدها بشهرين يشارك صلاح زملاءه في المنتخب الأولمبي في تحقيق التأهل إلى الأولمبياد لندن 2012 ، في إنجاز هو الأول للمنتخب الأولمبي منذ 20 عاما.
(5)
فبراير 2012
بالرغم من الشهور القليلة الماضية المليئة بالنجاح، لكن المستقبل لا يبدو مبشرًا لمحمد صلاح، فقبل بدء انتقالات يناير خرج ممدوح عباس رئيس نادي الزمالك في أحد البرامج التليفزيونية لينفي الأنباء عن نية الزمالك في ضم صلاح، ولم يكتفي بذلك بل قلل من موهبة صلاح واتهمه أنه لاعب أناني لا يستطيع الاندماج مع فريق بحجم الزمالك، والأن النشاط الكروي في مصر يتوقف بعد حادث دموي بشع في استاد بورسعيد عقب مباراة المصري والأهلي، وبدأت وسائل الإعلام في طرح السؤال عن مصير كل هؤلاء اللاعبين الذين توقف مشوارهم مع كرة القدم لأجل غير مسمى، وخاصة لاعبي الأندية الصغيرة الذين لا يتقاضوا مبالغ تكفيهم للعيش.
في ظل تلك الأزمة قرر نادي سويسري اسمه “بازل” مخاطبة نادي المقاولون العرب لكي يخوض محمد صلاح فترة معايشة قبل قرار ضمه نهائيًا إلى الفريق، النادي الذي لم يكن المصريون يعرفونه، يحتل صدارة ترتيب الدوري السويسري ويتابع مسئوليه صلاح منذ تألقه في تصفيات أولمبياد لندن.
و بالفعل في الأسبوع الأول من شهر أبريل تم حسم الصفقة مقابل 3.5 مليون يورو، وإعلان انضمام محمد صلاح إلى نادي بازل السويسري بداية من صيف 2012.
(6)
نهاية عام 2013
تلك الفترة كانت مليئة بالمشاعر المختلطة بالنسبة لمحمد صلاح، تألق ونجاح شديد مع نادي بازل أوروبيًا ومحليًا، وإحباط شديد في مسيرته مع المنتخب عقب هزيمة قاسية لمنتخب مصر أمام منتخب غانا بنتيجة 6-1، تسببت في ضياع حلم المشاركة في كأس العالم 2014 بالبرازيل، أعقبها بأسابيع قليلة قرار اعتزال قدوته محمد أبو تريكة لعب كرة القدم.
لكن صلاح لا يتوقف عن الحلم والتمسك بالأمل في حدوث الأفضل، ما هي إلا أيام قليلة من يناير 2014 حتى ظهرت أخبار اهتمام نادي ليفربول الإنجليزي بضم صانع الألعاب الشاب في فترة الإنتقالات الشتوية، أخبار أشعلت حماس المصريين من جديد وهي ترى أحد نجومها الواعدة يتجه إلى واحد من أعرق الفرق الأوروبية، ثم فجأة دخل نادي تشيلسي في الصفقة، وقدم عرضا لا يمكن رفضه من النادي السويسري أو من صلاح، اأنتقل صلاح إلى تشيلسي وهو يحمل بداخله العديد من الوعود التي منحها له البرتغالي جوزيه مورينيو بأن يجعله أحد ركائز فريقه الأساسية خلال 6 أشهر.
(7)
نهاية عام 2014
الإحباط يسيطر على صلاح، والأحلام تتبخر ببطء شديد، فشل مع منتخب مصر في التأهل لكأس الأمم الأفريقية عام 2015، وصعوبة شديدة في الحصول على فرصة للعب مع ناديه الإنجليزي، ومدربه جوزيه مورينيو يخرج في وسائل الإعلام لينتقده علانية.
هل هي نقطة توقف الصعود؟ ما الذي يمكن للشاب صاحب الـ22 عام أن يفعله وسط كل تلك الضغوط؟
صلاح الذي يؤمن بموهبته لم يقنع بدكة بدلاء تشيلسي، واتخذ قرار صعب بالرحيل عن فريقه في الانتقالات الشتوية، والانتقال إلى نادي أقل في المستوى ودوري أقل جاذبية من الدوري الإنجليزي، وانتقل إلى نادي فيورنتينا الإيطالي على سبيل الإعارة، ليبدأ سريعًا منذ مباراته الأولى مع فريقه الإيطالي فصل جديد من التألق يمحي به كل إحباطات خريف 2014 المزعجة.
(8)
صيف 2015
محمد صلاح يرفض تمديد إعارته إلى فيورنتينا الإيطالي ويفضل أن تكون الإعارة إلى نظيره روما، القرار الذي أغضب مسئولي فيورنتينا ودفعهم لتوعد صلاح ومقاضاته ومقاضاة نادي تشيلسي الإنجليزي لعدم سماحه لصلاح بمد فترة إعارته بالرغم من وجود بند في عقد صلاح يسمح بمد الإعارة لموسم جديد بشرط موافقة محمد صلاح، وهو ما لم يحدث.
معركة إعلامية غير متكافئة من فيورنتينا قابلها صلاح بالصمت والتركيز في الملعب، وسريعًا تحول محمد صلاح إلى نجم روما الأول في ظل وجود الأسطورة فرانشيسكو توتي، أداء صلاح مع روما أسكت كل منتقديه في الإعلام الإيطالي، وحول كل الاهتمام إلى أهدافه التي يسجلها ويصنعها مع الفريق، لينسى الجميع أخبار قضية “فيورنتينا – صلاح”، وهي القضية التي حسمت بفوز صلاح وإثبات صحة موقفه في رفض تمديد الإعارة.
(9)
صيف 2017
ليفربول الإنجليزي مهتم بضم محمد صلاح من نادي روما الإيطالي، جماهير ليفربول منقسمة على مواقع التواصل الاجتماعي، بين فئة كبيرة غاضبة تنادي بعدم إتمام الصفقة بعدما رفض صلاح الانضمام إلى ناديهم في يناير 2014، وفئة أخرى تطالب بمنحه الفرصة، بينما شكك الإعلام الإنجليزي في قدرة صلاح على اللعب في الدوري الإنجليزي، وخرجت جماهير تشيلسي لتسخر من اهتمام ليفربول بصلاح بعدما فشل مع فريقهم، وصف الفشل كان الأكثر استخدامًا في وصف تجربة صلاح مع تشيلسي.
و تمت الصفقة مقابل 38 مليون جنيه إسترليني ليصبح صلاح هو ثالث أغلى صفقة في تاريخ ليفربول، وأغلي لاعب يقوم نادي روما ببيعه، الضغوط الإعلامية على صلاح كبيرة، وكما استطاع صلاح إسكات الإعلام الإيطالي لم يحتاج سوى لبضعة دقائق ليقوم بإسكات الإعلام الإنجليزي نهائيًا بعد تألقه في مباريات فترة إعداد ليفربول وحفاظه على مستواه الجيد وتسجيله لهدف في أولى مبارياته الرسمية، ليتحول خلال أسابيع قليلة من “فاشل” إلى لاعب جديد ينضم إلى قائمة اللاعبين الذين فشل جوزيه مورينيو في الاستفادة من موهبتهم.
(10)
8 أكتوبر 2017
حلم التأهل إلى كأس العالم 2018 في روسيا يقترب، الموقف أفضل كثيرًا من كل تجارب المنتخب في البطولات السابقة، الحسابات أقل تعقيدًا، غانا تعادلت مع أوغندا، وكل ما يحتاجه منتخب مصر هو الفوز على منتخب الكونغو أضعف فرق المجموعة، المباراة في استاد برج العرب والمدرجات تمتلئ بما يزيد عن 70 ألف مشجع.
كل شيء يبدو مثاليًا قبل المباراة، يتبقى على حجز مقعد المشاركة في كأس العالم، مباراة تبدو كنزهة مدتها 90 دقيقة سيحقق المنتخب المصري الفوز فيها بسهولة.
مر شوط المباراة الأول بسيطرة تامة للمنتخب المصري ومقاومة ودفاع بطولي من منتخب الكونغو، الذي يرفض لاعبيه أن يتم التقليل منهم، وقبل منتصف الشوط الثاني استطاع محمد صلاح فك شفرة الدفاع الكونغولي وأحرز هدف التقدم لمنتخب مصر، الاحتفالات بدأت، منتخب الكونغو يحاول منع مهاجمي منتخب مصر من إحراز الهدف الثاني، وفجأة جاءت اللحظة التي كان يخشاها الجميع، الكونغو تتعادل في الدقيقة 87 بهدف للاعب مجهول اسمه أرنولد بوكا، لو انتهى اللقاء بتلك النتيجة فحلم المونديال يصبح صعب للغاية في ظل اضطرار منتخب مصر للعب مباراة متوترة أمام غانا على أرضها، والفوز لضمان التأهل.
في تلك اللحظة انهار صلاح، سقط على الأرض، ربما مر أمامه شريط الإخفاقات التي مر بها منتخب مصر، وذاكرة الجماهير التي لا ترحم هؤلاء الذين أضاعوا فرص سهلة أمام المرمى في التصفيات السابقة.
ربما تذكر لحظات الهزيمة التي خاضها مع المقاولون، فرصه الضائعة مع تشيلسي، هزيمة غانا 2013 وإعتزال قدوته ومعلمه محمد أبو تريكة. ربما تذكر صلاح كل اللحظات السعيدة التي مر بها عقب كل تلك الإخفاقات، قد يكون يقينه أنه كلما فشل حقق نجاح أكبر هو ما دفعه للنهوض والصراخ في زملائه لكي يعودوا لاستكمال ما جاءوا لإستاد برج العرب من أجله، الفوز على منتخب الكونغو العنيد خلال مباراة قصيرة أصبحت مدتها 3 دقائق، واصل لاعبي منتخب مصر الضغط على دفاع الكونغو حتى جاءت صافرة الحكم الزامبي بكاري جاساما، في الدقيقة 90 لتمنح المنتخب المصري ضربة جزاء.
الجميع ينظر إلى صلاح، هو من سيقوم بتسديد ضربة الجزاء، يضع الكرة في نقطة الجزاء بكل هدوء كأنه يدرك جيدًا ما يفعله، يعرف أن أكثر من 100 مليون شخص يعتقدوا أن ما يفعله الأن قد يجعله بطلا قوميا أو لاعبا مخيبا للأمال ينضم للأبد إلى قائمة تضم محمد عمارة ومجدي طلبة وطارق السعيد، لكن صلاح لا يبدو عليه أي انفعال، يتقدم ويسدد ضربة الجزاء ليحرز الهدف الثاني بكل سهولة، وتبدأ الاحتفالات منذ الدقيقة 92 وحتى الأن.
وبينما لم تتوقف الاحتفالات بإنجاز المنتخب مصري والتغني ببطولة محمد صلاح، عاد صلاح إلى ليفربول ليتسلم للمرة الثانية جائزة أفضل لاعب وأفضل هدف خلال شهر سبتمبر من ناديه ليفربول، والاستعداد لحلم جديد يسعى لتحقيقه مع ناديه الإنجليزي، وكتابة فصل جديد في قصة لاعب عالمي يلهو ويستمتع بلعب كرة القدم أثناء صنعه للمجد.