فاتن الوكيل
لا تكن قريبا فيمل منك الناس، ولا تكن بعيدا فتُنسى.. هي حكمة بات واضحا أن اللاعب المصري الدولي محمد صلاح اكتسبها من الخبرة، وبعض السمات الشخصية الموجودة لديه منذ البداية، إلى جانب النصائح التي من المؤكد أنه يتلقاها من أصحاب الخبرة والباع الطويل في كرة القدم والميديا أيضا، واللافت للنظر أن صلاح أصبح متمكنا من تعامله مع الإعلام بشكل أفضل عن السابق.
لا يشعر المشاهد المصري بأن محمد صلاح يغيب عن المشهد لحظة. الجميع يتحدث عنه أو بالنيابة عنه مثلما تفعل أسرته أحيانا. القطات التي ظهر فيها خلال مباراة مصر والكونغو التاريخية التي لعبت في 8 أكتوبر على أرض ملعب برج العرب، تُعاد ليل نهار، لم يقم بمداخلات إعلامية إلا عقب الفوز مباشرة في غرفة تبديل الملابس، مع قناة on sport للتعليق على ضربة الجزاء الفاصلة الحاسمة.
https://www.youtube.com/watch?v=VZQ17tyccLA
في ذات السياق، لا يمكن القول إن صلاح غائب عن الإعلام، بل على العكس، فببحث بسيط على موقع “يوتيوب” ستجد العديد من الحوارت التي أجراها مع إعلاميين وفنانين أيضا في برامج “خفيفة” مثل “فهمي جمعة”، تقديم الفنان أحمد فهمي وكابتن وائل جمعة، وذلك عندما كان محترفا في “بازل” السويسري، لكنك لن تشعر أبدًا أنه “مستهلك”.
من أسباب ذلك هو نبرته الهادئة وتصريحاته التي يحرص دائما على أن تكون أقرب إلى التقليدية، ولا تعتبر في حالته عيبا، لأن القنوات الفضائية خاصة في مصر، تتعامل مع اللاعب النجم على أنه صيد ثمين، يمكن أن يستخرجوا منه تصريحات أكثر سخونة حتى يحصلون على أعلى نسب مشاهدة، لكن صلاح يرفض أن يعطيهم ما يُريديون -حتى لو من دون قصد- لكنه على كل حال فهم اللعبة، وبفضل موهبته واحترافه في الخارج، أصبح لقاء لدقائق معه “انفراد” حتى إن قال تصريحات مكررة.
يمكننا الحكم على نضج محمد صلاح من نوعية البرامج التي يظهر من خلالها مع كل مرحلة، فبداية الانتشار ليست مثل الاحتراف والعالمية. لم يكن يرفض صلاح عروض ظهوره في برامج متواضعة الإمكانيات والمهارات الإعلامية في مرحلة بداية تألقه في “المقاولون” ثم الاحتراف في بازل، كما أن التأخر والتراجع الذي كان يقبع فيه الإعلام الرياضي المصري في ذلك الوقت، قبل التطور الأخير الذي شهده بظهور قنوات مثل dmc sports، وon sport، لم يتح خيارات متعددة أمام اللاعب الذي لم يُكمل وقتها 20 عاما.
اختيارات “صلاح” بعد ذلك أصبحت أكثر ذكاءً وهدوئا أيضا، فابن بسيون المتواضع القادم من أسرة بسيطة، لم تعد تبهره أضواء كاميرات الفضائيات المصرية، خاصة مع رغبتها المُلحة في إيقاعه بالمشكلات، مرة بأسئلة سياسية –خاصة في حقبة الإخوان- أو أسئلة سطحية مكررة.
ولأن العناصر الجيدة تنجذب إلى بعضها، نجد لقاءات متميزة أجراها صلاح مع فترة احترافه اللعب “والتعامل مع الإعلام” أيضا، مثل حواره مع الإعلامي شريف عامر، ببرنامج “يحدث في مصر” على قناة mbc مصر، حين اقتنص عامر ما يقارب الساعة من صلاح، لإجراء حوار معه في مطار القاهرة، قبيل سفره إلى سويسرا.
النوعية الأخرى من البرامج التي فضّلها صلاح على غيرها، هي التي لا تعتمد على اللحظة الراهنة، أو تبحث عن التعليق على خبر حديث، لكنها تُسلط الضوء على تجربته بشكل عام، وهو نوع من البرامج يتناسب مع حجم شعبيته ونجوميته التي تتشكل بسرعة كبيرة. وقد يكون حواره مع برنامج “هنا العاصمة” للإعلامية لميس الحديدي، مثالا على ذلك، وعنوان التقرير “محمد صلاح حلم مصري وصل للعالمية” يؤكد وجهة النظر هذه، كما أن هذه النوعية من البرامج تجعله قريبا من المشاهد وفي ذات الوقت غير مستنزف إعلاميا.
هناك نوعية أخرى من الإعلام، أكثر تأثيرا من الفضائيات، يعرف صلاح كيف يستغله ويتواجد من خلاله، إنها السوشيال ميديا بمواقعها المختلفة، فلا تمر عدة أيام إلا وتجد “بوست” لصلاح عبر حساباته على تويتر أو إنستجرام، تعليق منه على تغريدة لفنان، مثلما فعل مع الفنان محمد هنيدي ليُشجعه على تنفيذ جزء ثان من فيلم “صعيدي في الجامعة الأمريكية”، أو نشر صورة جديدة خلال تدريباته مع فريقه الحالي “ليفربول”.
استغلال صلاح الجيد لمواقع التواصل الاجتماعي، تجعله قريبا من المجتمع الافتراضي، وجمهور الكرة بشكل رئيسي، وفي نفس الوقت تُغنيه عن الظهور المتواصل في الإعلام المصري، الذي يصطحب المشاكل معه “في الرايحة والجاية”، وهناك بعض العبارات التي قالها صلاح في لقاءاته السابقة، اتضح من خلالها فهمه لأهمية ابتعاده عن سجالات الإعلام المصري، الأولى عندما قال مع الإعلامي شريف عامر ردا على سؤال يتعلق بقدرته على الحديث في السياسة إن أراد، فقال “ليا فيها شوية بس في الإعلام مبتكلمش فيها”، والجملة الأخرى، التي قالها مع لميس الحديدي، مؤكدا أن لا يُتابع كل ما يُقال عنه في الإعلام ومن الصعب جدا أن يؤثر فيه.. وهذه هي الخلاصة التي تجعل من صلاح، لاعبا “فهم اللي فيها” وتعلم من التجارب الأخرى، وعرف كيف يبتعد، وفي نفس اللحظة يترك ظله على أرض الإعلام المصري.