أحمد إمام
لا شك أنه خلال الفترة الأخيرة أصبح محمد صلاح هو المعشوق الأول والأخير للشعب المصري، بل هو الفارس التي تعقد عليه الجماهير كل آمالها وأحلامها، وبالفعل نجح صلاح في قيادة المنتخب للتأهل والعودة من جديد لكأس العالم، وهو الحلم الذي تمناه المصريون منذ 28 عاما تقريبا، صلاح ابن قرية “نجريج” مركز بسيون بالغربية، الذي بدأ حياته الكروية في نادي المقاولون العرب، حيث أصبح لاعبا بالفريق الأول عام 2010 ونجح في تقديم مستوى مميز للغاية مع ذئاب الجبل، ولفت نظر العديد من الفرق حتى كان قريبا من الانضمام لنادي الزمالك لولا رفض ممدوح عباس رئيس النادي وقتها نظرا لأنه رأى أن صلاح سيكون غير مفيد لفريق كبير بحجم الزمالك، ليشاء القدر بعدها أن يتلقى عرضا من بازل السويسري لتكتمل المفاوضات ويبدأ صلاح رحلته الاحترافية عام 2012.
محطة بازل كانت امتحانًا صعبًا جدًا لـصلاح، خاصة في وقت يفشل فيه عدد كبير من اللاعبين المصريين في الاحتراف ويعودون للدوري المصري، ولكنه استطاع أن يكون على قدر المسئولية ونجح في جعل هذه المرحلة انطلاقته الحقيقة وبداية معرفته بجمهور أوروبا، حيث قدم الفرعون المصري مستوى رائعًا وحقق البطولات مع الفريق السويسري، بل تألق بقوة في بطولة الدوري الأوروبي وهز شباك فرق كبيرة مثل توتنهام وتشيلسي، ليلفت الأنظار بشدة ويصبح على أعتاب الانتقال لفريق ليفربول الإنجليزي، حتى تدخل البرتغالي جوزيه مورينيو مدرب تشيلسي وقتها الذي تواصل مع صلاح مباشرة من أجل ضمه، وبالفعل نجح في تغيير الكفة تمامًا وانضم صلاح للبلوز عام 2014 في صفقة هزت أرجاء مصر.
فترة تشيلسي لم تكن جيدة لمحمد صلاح كونه لم يشارك مع الفريق إلا في مباريات قليلة جدا، بل ظل طوال أوقات الموسم على دكة البدلاء، حيث كان مورينيو غير مقتنع تمامًا بقدرات اللاعب المصري بحجة صغر سنه وأنه ما زال ينقصه الكثير والكثير من الخبرات، ولكن بالرغم من كل هذه الأمور التي من الممكن أن تدمر أحلام أي لاعب إلا أن صلاح استطاع أن يستفيد من تواجده في فريق بحجم تشيلسي بشكل إيجابي للغاية، بل أن يخرج من هذه التجربة بخبرات كبيرة ساعدته على الاستمرار في أوروبا، حتى تخلص من “جحيم مورينيو”، وانتقل إلى فريق فيورنتينا الإيطالي.
كانت مرحلة فيورنتينا الإيطالي مرحلة فاصلة بالنسبة لمحمد صلاح خاصة أنه إذا كان فشل مجددًا كانت ستتعقد الأمور، بل من الممكن أن تنتهي مسيرته الاحترافية، إلا أنه أثبت للجميع أن لديه الكثير والكثير لكي يقدمه، حيث نجح في تقديم مستوى جيد للغاية وقاد الفريق للفوز في أكثر من مباراة وأحرز العديد من الأهداف، ليلفت الأنظار بقوة في إيطاليا، وينتقل إلى نادي روما الإيطالي عام 2015، فترة ظهر فيها صلاح بشكل متطور للغاية فأصبح لاعبًا مصريًا بمواصفات أوروبية، فقدم مستوى ممتاز وكون ثنائيًا هجوميًا قويًا مع البوسني دجيكو، وقاد الفريق لاحتلال المركز الثاني بالدوري الإيطالي، وشارك معهم في دوري الأبطال، بل كان عنصرًا مؤثرًا جدًا بالفريق.
ليشاء القدر أن تعود مفاوضات ليفربول من جديد حتى انتقل صلاح للفريق الإنجليزي عام 2017، في صفقة حطم بها أرقاما قياسية كثيرة أهمها أنه أصبح أغلى لاعب بالقارة الإفريقية، ليعود صلاح للدوري الإنجليزي مرة أخرى ولكن هذه المرة بخبرات كبيرة، مستفيدًا من تجربته الماضية مع تشيلسي، لتكون البداية مثالية فمنذ المباريات الودية نجح في أن يحرز الأهداف، ليستمر ويسجل في أول مباراة رسمية مع الفريق بالدوري الإنجليزي، بل أصبح هو هداف الفريق بـ4 أهداف حتى الآن، إلى جانب تسجيله معهم في دوري الأبطال الأوروبي، حتى اكتسب ثقة جمهور ليفربول واستطاع أن يفوز بجائزتي أفضل لاعب وأفضل هدف في شهرين متتاليين هما أغسطس وسبتمبر، ليصبح في وقت قصير واحدًا من العناصر الأساسية والهامة التي يعتمد عليها المدرب الألماني يورجن كلوب باستمرار.
يمكن القول أن شخصية صلاح تتلخص في ردة فعله عقب إحراز الكونغو هدف التعادل، حيث دخل في حالة من المشاعر المختلفة في ثوانِ قليلة بدأت بالانكسار واليأس الشديد، الذي تحول بعد ذلك إلى إصرار وإرادة كبيرة، بل أصبح يحث جميع الجماهير على التشجيع ودعم المنتخب، خاصة أنه يعلم جيدًا أن المصريين يعقدون عليه كل آمالهم، فهكذا هي شخصية محمد صلاح في الحقيقة فكلما يتعرض لأي أزمة في حياته مهما كانت صعبة يستطيع أن يستفيد منها بشكل إيجابي ويتعامل معها بكل إصرار وعزيمة، حتى في لحظة ركلة الجزاء التي يعلم أنه يتوقف عليها حلم أكثر من 100 مليون مصري، إذا أحرزها سيكون بطلًا قوميًا بكل ما تحمل الكلمة من معنى، أما إذا أهدرها ستتبخر الأحلام وستتعقد الأمور، بل سيكون هناك العديد والعديد من الانتقادات، كل هذه الأمور لم يفكر فيها صلاح حيث عمل على عزل نفسه تماما للحظات عن أصوات الجماهير التي ترج الملعب بالكامل، ووضع كل خبرته الأوروبية التي اكتسبها في هذه الكرة حتى استطاع أن يحرزها ويسعد ملايين المصريين.
صلاح يعد أول لاعب من خارج الأهلي والزمالك يحظى بكل هذه الشعبية الجارفة، وبالتأكيد هذا الأمر لم يأتي من فراغ فهو يملك أشياء من الصعب أن تتوفر في لاعب واحد، بداية من الموهبة والاجتهاد حتى الشخصية القوية، بل أنه عمل منذ الوهلة الأولى على أن يعزل نفسه تمامًا عن الإعلام المصري من أجل التركيز على هدفه فقط لا غير، بالإضافة إلى الابتعاد دائمًا عن أي صراعات قد تؤثر على مسيرته الكروية، بل بالرغم من كل هذه النجاحات الكبيرة التي حققها مازال إنسانًا بسيطًا للغاية ولم يشعر للحظة بالغرور، فهو يتواصل دائما مع عائلته وأهل قريته، ويفكر باستمرار في مشاريع تفيدهم، حيث يمكن القول أن رحلة كفاح صلاح ابن القرية البسيطة الذي وصل للعالمية وأصبح أفضل لاعب في تاريخ الكرة المصرية، بل ومن المتوقع أن يصل خلال السنوات المقبلة لمكانة أكبر، لا بد وأن تدرس بمناهج التربية والتعليم، للطلبة في الصفوف الإعدادية والثانوية، فهو مثال يجب أن يحتزى به.