إسراء النجار
(1)
عندما طلب مني كتابة مقال عن محمد صلاح لم أفضل أن يكون متخصصا في الكرة، لأن الحديث عن مشوار صلاح الكبير وتنقلاته صار حديثا يتناوله المهتمين والمختصين. إذن بقليل من التفكير أول ما خطر ببالي هي طفولة محمد صلاح، وذلك لسببين، الأول أني كنت أتابع مباراة المنتخب الأخيرة وطفلي بين أحضاني، أحاول إطعامه كسبيل لإلهائه عن العبث بكل شيء وإفساد المشاهدة، والسبب الثاني هو الفيلم القصير الذي جسده صلاح في المباراة دون قصد.
(2)
بالتأكيد تابع الجميع تعبيرات وجه صلاح بعدما أحرز الفريق الكونغولي هدف التعادل لفريقه في المباراة العصيبة التي تأهل فيها المنتخب لنهائيات مونديال روسيا 2018، واطلعنا جميعا على حواره الداخلي وصراعه الخفي بين الانكسار والإصرار، ما دفعه إلى عدم الاستسلام ومطالبة الجماهير بالتشجيع ومن ثم عندما جاءت ضربة الجزاء لم يتردد في تنفيذها وتسجيلها بتوقيت قاتل.
https://www.youtube.com/watch?v=1j6Ixhb1SDs
(3)
الوقوف أمام هذا المشهد يجعلنا نتساءل عن طفولة صلاح التي بالتأكيد كان لها العامل الأكبر في مرحلة شحنه وتهيئته نفسيا لأن يكون ما أصبح عليه، خاصة أننا نفتقد في مصر عنصرا هاما وهو صناعة الحلم، توجد أشباه أحلام لدي الكثيرين، بعضهم ينجح والكثير يتعثر، ولكنك لن تجد ثقافة الأحلام المدعمة بالثقة بالنفس والعمل الجاد والإيمان بالقدر إلا قليلا -صلاح نموذجا- لأسباب تتعلق بالتعليم والثقافة والتربية والمناخ السياسي وغيرها.
(4)
بداية مسيرة “صلاح” الكروية في مصر شابها الإحباط واليأس بعدما رفض رئيس نادي الزمالك السابق ممدوح عباس انتقاله للنادي قادما من المقاولون العرب، معللا ذلك بأن سنه صغيرة ومستواه متواضع، لا يرتقي لارتداء القميص الأبيض! لينتقل بعدها اللاعب لنادي بازل السويسري، ويبدأ في الكشف عن أنياب موهبة كبيرة، انتهى بها المطاف الآن في أحد أعرق وأكبر أندية العالم، وهو ليفربول الإنجليزي، الذي كان صلاح وهو في السابعة من عمره يلعب به في لعبة “البلاي ستيشن” ولا يتخيل أن يأتي اليوم الذي ينضم فيه لـ”الريدز” ويلعب به آخرون! ولا يتخيل أنه سيصبح مكان جيرارد، وهيبيا، وكاراجير، بعدما كان يلعب -افتراضيا- معهم.
(5)
ورغم أن أصعب فترة مرت في حياته هي أثناء لعبه لنادي تشيلسي الإنجيلزي لأسباب نفسية تتعلق بحملة الهجوم والنقد التي تعرض لها من الإعلام المصري، والتي أثرت بالسلب على الحالة النفسية لوالديه اللذين طالباه بأن يخرج من النادي بإعارة، إلا أنه كان يرى أنه يستحق اللعب في النادي الكبير وأنه ليس أقل من أن يدربه جوزيه مورينيو. لذا رفض الهروب من النادي وتحرى الصبر حتى عاد إلى طريق التطور مرة أخرى من خلال الدوري الإيطالي، ونادييه فيورنتينا وروما.
(6)
“نفسي أوصل لأعلى حاجة أنا أقدر أوصلها”.. هكذا أجاب محمد صلاح أو كما يسمونه عالميا “مومو” على سؤال حول أحلامه المستقبلية، مؤكدا أن كل عام لديه أحلام وأهداف مختلفة عليه أن يحققها.. ولعل هذا سر نجاحه؛ لديه دائما “الحلم” الذي يعمل عليه ويدعمه بالثقة بالنفس والعمل الجاد. كل هذا وهو يضع قدميه على الأرض ويذكر حاله دائما بالبدايات وكيف أن أسعد لحظة مرت عليه في حياته عندما أخبره مدربه أنه انتقل للعب للفريق الأول بنادي المقاولون العرب.
(7)
بنهاية مباراة الكونغو، نظرت لطفلي، وأخذت أدعو له بعد إدخال بعض التعديلات على الدعوة التقليدية.. “يا رب ييجي اليوم اللي أشوفك فيه محمد صلاح قد الدنيا”!