عبد الفتاح خالد سالم
تبدأ الكاتبة الصحفية والروائية منصورة عز الدين روايتها “جبل الزمرد” بخلق اشتباك عظيم مع كتاب “الليالي”، ذلك الكتاب الذي أرى أنه فريد من نوعه، لا منافس له، فتبدأ منصورة بالخوض في تفاصيل “الليالي” معلنة نقص الكتاب، فثمة حكاية ناقصة من حكاياته، ولم يعرف عنها أحد، ولم يتم العثور عليها حتى الآن، ولم تُكتب في الكتاب الشهير.
تجعلنا منصورة عز الدين، في انتظار المهدي المنتظر الذي سوف يبعث من رماد واحتراق، حافظ أسرار هذه الحكاية أو حافظتها، لترويها علينا، فتأسرنا بجمالها، وتعد هذه الجوهرة المفقودة من أفضل حكايات الليالي.
وتأخذنا منصورة، إلى عالم فريد من نوعه، فتقودنا لرحلة إلى كاهنة الأبيض والأسود، حافظة أسرار الحكاية المفقودة، وتقفز بنا من أماكن كثيرة لأماكن أكثر، وتتنقل بنا من زمن إلى زمن.
وتقول منصورة، فى الصفحة رقم 12: ” ولتعلموا أن من أصعب الأمور القفز بين الأزمنة والتواريخ ومصالحة ماض سحيق مع حاضر يعاش”.
ونرى أن “عز الدين” أبدعت في التنقل بين الأزمنة المختلفة، وتتخذ زمنًا حاضرا كخلفية لأحداث روايتها، ولعل منصورة، لم تكُ تعرف أنها تشتبك مع أعظم إنجازا أدبيا في العالم.
أقامت منصورة، مباراة نهائية لا تعادل فيها، لا بد من فائز ومهزوم، والمكسب هو التفوق على تطويع حكاية تراثية من كتاب الليالي.
وتبدأ منصورة، حكايتها الثانية، في جبل الزمرد، باستعراض قوة ذلك الشخص، الذي يعيش وحيدا بقدرته على خلق عوالم جديدة عظيمة، يتعجب لها الناس، ثم يهدم تلك العوالم، لقدرته على التجديد والإبداع.
وتعود بنا الكاتبة، بعد هدنتها من الاشتباك مع كتاب الليالي، فتشتبك مرة أخرى مع الكتاب، في حكاية “حاسب الدين كريم” و “الحسن البصرى” وهكذا تؤكد لنا منصورة،
أهمية كتاب الليالى، وتبين لنا ثناء الأجانب على النص، وهوسهم به، فكثير من الأدباء الغربيين يعترفون بفضل “الليالي” عليهم في كتابتهم.
لم تمل منصورة عز الدين، من الاشتباك مع كتاب “الليالي”
فتدهشنا تلك العوالم التي أوجدتها في روايتها ومائدة خيالها المكتظة بالوجبات الدسمة، التي تسمن وتغنى من الجوع.
وتجد في حكاية “مغناطيس الأجساد” التي أسميتُها “مغناطيس الأرواح”، تواصل الأرواح بين “نورسين” التي أختطفت من قبل الملك، لتنجب له الإبنة، التى هي بمثابة المهدي المنتظر.
ليس سهلا علينا أن نخلق عوالم موازية نعيش فيها، بينما استطاعت منصورة، أن تخلق لنا عوالم موازية كثيرة، وأخذت بأيدينا، لتنتقل بنا من عالم لآخر، مستمتعين برحلتنا معها في عوالمها الموازية، التي خلقتها في ثنايا “جبل الزمرد”.
وأخذت “عز الدين”، تتنقل بنا بين الأزمنة بحبكة فريدة، كغزال رشيق لا يجد صعوبة في الترحال، بينما يسر المرتحلين معه، فكانت منصورة عز الدين، بمثابة الغزال الرشيق، الذي أخذ يتراقص بين الأزمنة، فسرتنا معها في رحالها، في رحلة عظيمة.
ولعل العوالم الموازية التي أوجدتها في روايتها كانت بمثابة تنقلات كبيرة بين الماضي الذي لا ينسى، والحاضر الذي لا يُعاش.
ونطرح سؤالا الآن، ماذا لو وجدت زمردة وبعثت من رماد احتراقها؟
هنا فقط تنتهي لعنة الجبل السحري، ليصبح بإمكان أهله العودة إليه.
ما زالت منصورة عز الدين، تأسرنا كأرض مات فيها كل حراسها في حرب أقيمت عليها، بفكرة العوالم الموازية، إذ يبدو لك أن الكاتبة تعيش في داخل عالم لم يسبق لك التعرف عليه، وهو العالم الموازى.
غردت عز الدين، بخفقة ورشاقة في سردها لأحداث الرواية، وكأنها تشيد عمارة، فتُهندس السرد فيها، وتضع حجر الأساس، الذى لن ولم يُهدم فى أثناء زلزال التنقل بين الأزمنة المختلفة.
وتجد التراجيديا، أو الدراما المبكية، حاضرة حضور الشمس في وضح النهار، في حكايات جبل الزمرد.
والسؤال الآن، “لماذا اشتبكت منصورة مع كتاب الليالي؟”
اتخذت منصورة الدراما فقط، لتتشابك مع كتاب الليالي، فعندما تقرأ بعض قصص كتاب “1000 ليلة وليلة”، ستجد تداخلا في المصطلحات كالتراجيديا والكوميديا، فثمة حكايات داخل كتاب الليالي، تحوي تداخلا عظيما في المصطلحات، فتجد أنك تقرأ وتبكي متأثرا بالحكاية، ثم تصل إلى الخاتمة فتبتهج وتبتسم وتضحك، هكذا الكوميديا والتراجيديا، وهكذا تداخل المصطلحات داخل حكايات الليالي.
ولعل منصورة، تخلق لنا دراما تحاكي الواقع، لتثبت لنا أنه لا انفصال بين الحلم والواقع.
تبدو منصورة عز الدين، من كُتاب المدرسة الواقعية، وأكدت لي هى ذلك، عن طريق قضايا كثيرة شائكة تتحدث عنها داخل الرواية، كقضايا تواصل الأجيال، وتظهر لنا عن طريق الجدة والحفيدة، وقضايا كتب التراث.
وأرى أن منصورة ترسل رسالة من خلال روايتها للعالم أجمع بأن ثمة أشياء ناقصة داخل كتب التراث، وعلينا جميعا البحث عنها، والدليل أن هناك حكاية ناقصة من كتاب ” الليالي”.
ويظهر الزمن بشكل كبير، في رواية “جبل الزمر” وهو محبوك حبكة رائعة، فلكل حقل “زمكاني” قيمته الخاصة من جبل الزمرد، وقاهرة الآن، والجدة والحفيدة، فالزمكانية تظهر وتتجلى بشكل واضح فى جبل الزمرد.
قرأت منصورة عز الدين، في أثناء كتابة روايتها، ممالك الأبصار، لابن فضل، ومنطق الطير، لفريد الدين العطار، وعجائب الهند لبرزك بن شهريار، وغيرها من الكتب، التي اتخذتها كمراجع أساسية لها تستمد منها وتعتمد عليها، ولعلها أقامت بعض الاشتباكات مرة أخرى بين الحديث والقديم، ومع الزمن أيضا، فنجد بعض التفاوتات.
هكذا تحاول منصورة عز الدين، تنقية الحكاية مما أصابها من تحريف وتزوير، وتنقيحها، وهذا من خلال بطلتها التي اتخذتها، ولعلها ترسل رسالة أخرى لقارئ التراث، فتوصفه بالبطل المحارب، وعليه أن ينتصر.
كانت هذه قراءتي الأولى لرواية “جبل الزمرد” للكاتبة منصورة عز الدين، وأعتقد أنها لن تكون الاخيرة، فربما تقرر الرواية أن تبوح لي بسر جديد من أسرارها، فأمد يدي فى رف مكتبتي، ممسكًا إياها، لأبدأ رحلة جديدة بصحبة منصورة عز الدين.