نوران عاطف
القاهرة – أكتوبر 1981
صمت ثقيل يخيم على الأجواء، الجميع في حالة صدمة وذهول وخوف مما هو قادم، أصبحت البلاد بلا رئيس في نفس يوم احتفالات النصر، العناوين الرئيسية لجميع الجرائد تتناول الحادث والجنازة والحضور، مصير الوطن ومعاهدة السلام إلى أين؟
بأحد أركان الصفحات الداخلية للجريدة القومية تجد عنوانا متوسط الحجم “وفاة منير مراد بأزمة قلبية” يصحبها صورة له مع عوده وبعض تفاصيل الوفاة،التي حدثت في 17 أكتوبر 1981، وينتهي بـ” جنازة الراحل ستشيع غداً 12 ظهراً من مسجد عمر مكرم”.
ربما قاد حادث مقتل “السادات” لإهمال وفاة مراد وربما “البعيد عن العين بعيد عن القلب” وقادته عزلته عدة سنوات لنسيان إسمه إعلامياً ليكون عدد مشيعي الجنازة اثنين فقط هما زكي وأشرف أبناء شقيقته “ليلى مراد”، التي ظهرت قبلها بعدة سنوات في إحدى البرامج التليفزيونية مع الملحن بليغ حمدي، لم يُعرض من البرنامج سوى عدة دقائق تتحدث فيهم عما لحنه لها أخيها “المعجون بالفن” على حد وصفه هو لنفسه، فتتذكر عدد من الأغاني ثم تقف عندما يصعب الحصر وتبدأ بدندنة “يا طبيب القلب بقيت حبيب القلب” كأقرب ألحانه لقلبها لتسير خلف النغمات متأملاً في عالم منير مراد.
القاهرة 1940 – 1969
“ابدأ حياتك بلحن فرايحي”
لا يمتلك الجميع إجابة على سؤال من هو ملحنك المفضل؟ لكن بمراجعة الإنتاج الفني لمنير مراد تجده بالتأكيد على قمة اللائحة، فإذا لم تمر عليك “وحياة قلبي وأفراحه”، “دقوا الشماسي” ، “ضحك ولعب وجد وحب”، “إن راح منك يا عين”، “يا سارق من عيني النوم”، “تسلم لقلبي”، “كعب الغزال”،”حاجة غريبة” و”يا دبلة الخطوبة” قد تكون مريت باستعراضات شهيرة مثل “إرما لادوس” لشادية و”قلبي يا غاوي خمس قارات” لفؤاد المهندس،”نورا يا نورا” لنيللي، أو اغاني تميل للشجن مثل “بأمر الحب” لحليم و”من يوميها” لوردة، وإذا فاتك “حارة السقايين” بصوت شريف فاضل بالتأكيد قد وصلت لأذنك بصوت “محمد منير”، لتفاجأ في النهاية أن حبك لمنير مراد هو حب عميق وملئ بالسعادة والذكريات حتى وإن غاب عنك اسمه.
بدأ منير مراد حياته بعدة تجارب في مجال الفن لم يكن أولها التلحين، فبعد تركه للكلية الفرنسية عمل بمجال السينما كعامل كلاكيت، ثم كمساعد مخرج في عدد من الأفلام وصل لـ 150 فيلما، يمكن بسهولة تخيل شخصية مراد المرح خفيف الظل كشاب متعدد المواهب لا يمكنه العمل في شيء سوى الفن بمختلف مجالاته فينجح في بعضها وينبغ في إحداها.
حاول مراد دخول الفن بأغنية حزينة عرضها على المخرج حلمي رفله، لتغنيها “شادية” لكنه رفضها لعدم اتساقها مع فيلمه فنصحته شادية بأن يبدأ حياته بأغنية “فرايحي”، وبالفعل قام بإعداد أغنية “واحد .. اتنين” الشهيرة لشادية لتبدأ معها مسيرته الفنية كملحن يتهافت عليه المنتجون، ليقدم أكثر من 3000 لحن بدايةً من شادية وصولاً لهاني شاكر في “قسمة ونصيب” وعفاف راضي “ابعد يا حب”.
لمنير في التمثيل ثلاث تجارب، الأولى هي “أنا وحبيبي” مع شادية ولاقى نجاحا جماهيريا كبيرا، يليه “نهارك سعيد” والذي لم ينجح بالشكل المطلوب، ثم دور صغير في فيلم “موعد مع إبليس”، واستعراض مميز في فيلم “بنت الحتة” قدمه بعد انقطاع سنوات عديدة عن شاشة السينما وهو “أكلك منين يا بطة” مع سامية جمال.
قدم منير مراد في أفلامه الكوميديا والرقص والاستعراض والرومانسية ولا يمكن الحكم عليه كممثل بالفشل لكن ربما لم يكن يمتلك الخلطة الشعبية وقتها لتأتي بالنجاح الجماهيري، فملامحه تميل إلى التفاصيل الأجنبية وخفته لم تكن كوميديا اسماعيل يس أو فؤاد المهندس المعهودة ولم يكن أيضاً الفتى الأول بالشكل الذي اعتاده الجمهور كأاحمد مظهر أو رشدي أباظة.
جاء منير كملحن ومطرب من رحم موسيقى “الجاز” الغربية ليحاول تقديمها للمستمع الشرقي بما يتناسب معه، وكما تفرد في سماته كممثل تفرد أيضاً كملحن فلم يكن منافسا لأعلام التلحين وقتها مثل الموجي أو كمال الطويل أو بليغ حمدي، يعمل مراد على منطقة خفيفة ومرحة لا يوجد بها سواه، برزت ألحانه بقوة مع شادية وكوّنا معاً ثنائيا لفترة طويلة ويمكن تحويله إلى ثلاثي بالمؤلف فتحي قورة، الذي شاركهم معظم إنتاجهم الفني مثل “إن راح من يا عين”، “القلب معاك”، “دور عليه تلقاه” و “ألو ألو احنا هنا”.
تميزت أيضاً ألحانه لعبد الحليم حافظ فقدم معه “وحياة قلبي وأفراحه”، و”بكرة وبعده”، و”بأمر الحب”، و”بحلم بيك” “دقوا الشماسي”، بالإضافة إلى دويتو “حاجة غريبة” مع شادية والبداية في “أول مرة تحب يا قلبي”.
قدم مراد الاستعراض لشادية وفؤاد المهندس قدمه بنفسه أيضاً في أفلامه وبرع فيه لتعدد مواهبه بين الغناء والرقص وتقليد الفنانين وخفة الدم، مثل “صح النوم”، و”قولي آه”، و”محدش شاف”، و”اسكتش أفلام الصراحة” الذين برع فيهم أيضاً في تقليد الفنانين مثل عبد الوهاب وفريد الأطرش، يمكن بسهولة تخيله بطلاً لأحد أفلام الجاز والاستعراض التي تحصد عشرات الجوائز، فالفيلم الغنائي الأمريكي “La La land” لا يختلف في طبيعة الأداء كثيراً عما حاول تقديمه في فيلمه “نهارك سعيد”، ربما ظلمت الإمكانيات والعصر أصحاب المواهب المتميزة في إخراج كل ما لديهم لكن يظل ما تركوه من تراث كفيل بإثارة الإنتباه لاسكتشافه بشكل جديد بإستمرار.
القاهرة 1920
“موريس زكي مراد”
موريس زكي مراد، هو الاسم الحقيقي لمنير مراد، الذي في القاهرة في 13 يناير 1922 وهو الأخ الأصغر للفنانة ليلى مراد، وابن الموسيقار زكي مراد.
التحق بمدرسة “الفرير” الفرنسية تعلم بها الموسيقى واللغات ثم التحق بالكلية الفرنسية والتي لم يكمل دراسته بها.
تزوج منير ثلاث مرات، أنجب ابنه الوحيد “زكي” من زوجته الأولى، عاش بالولايات المتحدة الأمريكية بعد انفصال والديه، وبعد إشهار-منير- إسلامه في أواخر الأربيعينات تزوج من الفنانة سهير البابلي، وانفصلا بعدها بعدة سنوات.
حكت سهير في إحدى اللقاءات عن أنها أحبت منير لكن في المقام الأول كان زواجها منه بداية طريقها الفني فقد ساعدها على دخول الوسط والتعرف على المشاهير كما علمها الإتيكيت وأصول التعامل، والتي كان أول ظهور لها في فيلم “يوم من عمري” مع عبد الحليم حافظ وقام منير مراد بتلحين معظم أغاني الفيلم. وأخر زوجاته كانت من خارج الوسط الفني وهي التي توفي برفقتها.