على مدى اليومين الماضيين انتشر هاشتاج #metoo أو أنا كمان والذي يعبر عن حجم المعاناة التي تتعرض لها الفتيات في مختلف أنحاء العالم من تحرش بمختلف الدرجات والأنواع، ولكن ما لفت انتباهي أكثر هو اندهاش عدد كبير من الرجال من كم التغريدات أو المنشورات لفتيات مصريات يقصصن تجارب شخصية تعرضن فيها للتحرش مما يدل عن تجاهل -عن عمد أو عن غير عمد- بحجم وقدم المشكلة ويعكس المأساة الحقيقية وهي عيش المجتمع في حالة من الإنكار. وللأسف ذكرتني هذه الحملة بموقف شخصي تعرضت له العام الماضي ونشرته علي صفحتي من قبل ولكني أشعر أنه يجب أن أقوم بنشره مجددا لجمهور واسع لعله يقدم صورة حقيقية لبضع دقائق في يوم أي أنثي مصر تضطر للنزول إلى الشارع…
المشهد كالآتي: زحمة عشوائية كالعادة في إشارة القصر العيني في طريقي للمكتب صباحاً..وفي إحدى هفواتي قمت بفتح نوافذ السيارة نظرا لأن الجو كان لطيفاً نسبياً…ويشاء القدر أن يقف بجانبي ميكروباص ليقرر سائقه أن يسمعني حديثاً لم أتبين كل تفاصيله ولكني سمعت ما يكفي لأدرك أنها معاكسة سمجة ترقى إلى التحرش اللفظي…”قلت يا واد طنش خالص” وتقدمت نصف متر بسيارتي لأتجاهل الموقف…ولكن الجملة تكررت مجدداً…ووجدت نفسي أرد بأعلى صوتي بتهديد فاشل من من عينة “احترم نفسك أحسنلك” أو شيء من هذا القبيل…وأنا طبعا على يقين -مثلي مثل سائق الميكروباص- أنني لن أقدر على فعل أي شيء.فتحت الإشارة ووجدت دورية مرور وأمين شرطة علي جانب الطريق…وفي محاولة فاشلة أخرى للتغلب على القهر الذي أشعر به قطعت الطريق على الميكروباص لإجباره على الوقوف ونزلت لأشتكي للأمين ودار الحوار العبثي التالي- لو سمحت لو سمحت!!!الأمين يهرول للسيارة متفحصا إياها…- عمل ايه يا مدام؟- الحيوان ده بيتحرش بيا…وانا عايزة اعمله محضرلحظات صمت ودهشة من الأمين- ازاي يعني؟- هو ايه اللي ازاي؟ بقوللك بيتحرش بيا وانا عايزة اعمله محضر- هات رخصك واركن علي جنب…اركني من فضلك يا مدام علي جنب عشان الطريق وتعالي للضابطقمت بركن السيارة وأنا أشعر ببارقة أمل في انتصار متناهي الصغر…وباقترابي من سيارة الشرطة رأيت عدد لا بأس به من الناس متجمهرين حول نافذة السيارة حيث يطل الضابط منها ويتوسطهم السائق…فقلت لنفسي ” كويس ناس شهمة والله”ولكن في خلال ٣ ثوان اكتشفت أن هؤلاء هم ركاب الميكروباص ونزلوا ليدافعوا عن السائق!!- يا بيه انا سامعها وهي بتزعقله وهو معملش حاجة- انا كنت بكلم سواق الميكروباص اللي وراياوتعالت الاصوات بوصولي عند النافذة حتى أمر الضابط الجميع بالصمت حتى يسمع مني…
فرويت له ما حدث لتبدأ مناقشة مشحونة بالعصبية من الجانبين -أنا في جانب وركاب الميكروباص كلهم في جانب- وكل هذا في وقوف السائق بابتسامة بلهاء علي مبعدة تاركا الناس لتدافع عنه! آراء مختلفة في الحجة والأسلوب خلصت كلها إلى أنني مصابة بالارتياب و”بيتهيألي حاجات” وأنني “فاضية وماورايش حاجة”…أبرزها كان من رجل في الخمسينيات من عمره عندما وجدني مصرة على عمل المحضر قال لي – طب أنا بقي هروح أشهد معاه انه معملكيش حاجة اتقي ربنا…
قلت له وأنا علي وشك الانهيار من عبث اللحظة قلت له وأنا علي وشك الانهيار من عبث اللحظة- أنا بعمل كده عشان اللي حصل ميحصلش مع غيري وميحصلش لبناتك!فكان رده بمنتهي الحزم…- احترمي نفسك وبلاش قلة أدب!!!وكنهاية أي خناقة في الشارع المصري تطوعت ست محجبة كبيرة في السن لاحتواء الموقف وربتت على كتفى مع سيل من الجمل المعتادة مثل..استهدي بالله يا حبيبتي صلي علي النبي..احنا معقولة نكون سمعناه بيعاكسك ونسيبه؟..خلاص يا حبيبتي عشان خاطري ورانا شغل اتأخرنا عليه…وانضمت إليها سيدة أخرى وأنا مازلت أحاول حتى آخر فرصة أن أفهمهم موقفي وأدافع عن تصرفي غير المفهوم! وكانت نهاية الموقف البائس علي يد الضابط الخمسينياتي الذي ناداني قائلاً- ياااا مدام مها…اسمعي كلام الستات وخدي رخصك واركبي عربيتك…حبست دموعي بصعوبة وركبت السيارة وأنا ارتعش من العصبية والإحساس المهين بالقهر كلام كثير قيل في مدة لا تتعدى سبع دقائق… سبع دقائق “ضيعتها” من وقت المواطنين المصريين الثمين راكبي الميكروباص المشئوم…سبع دقائق في يومي كانت كفيلة لتشعرني بالقهر والاكتئاب اليوم كله وكل مرة أتذكر فيها هذا الموقف حتى كتابة هذه السطور…سبع دقائق ممكن أن تكون تافهة وسطحية بالنسبة لكثير من الناس مقارنة بالمشاكل التي يتعرضون لها في حياتهم اليومية …ولكنها تلخص حال مجتمع أصبح علي استعداد أن يسكت عن الحق ويتظاهر بعدم رؤيته لأي شيء أيا كان في سبيل استكمال روتينه اليومي ليكمل حياته بدون أي تغيير…مجتمع لا يريد أن يواجه نفسه ولا يرى وجود أي مشكلة تحتاج إلى التغيير من الأساس…مجتمع لا أريد أن يتربي أولادي فيه