كشف الإعلامي عمرو الليثي، أن المونولوج الداخلي، الذي بدأ به الاد حمدي، أول مشاهد فيلم “ثرثرة فوق النيل”، وهو يسير فى شوارع القاهرة عام ١٩٦٧، كتبه والده السيناريست الكبير ممدوح الليثي ضمن سيناريو الفيلم المأخوذ عن قصة الكاتب الكبير نجيب محفوظ وإخراج المخرج الكبير حسين كمال.
قال “الليثي”: “حكى لي والدي كيف قام برسم وصياغة الشخصيات التى ظهرت فى الفيلم لتناسب الأوضاع الاجتماعية لمصر في فترة الستينيات، فيستعرض من خلال الفيلم أنماطًا مختلفة لكثير من البشر، ويلخصهم الفيلم فى بضعة أشخاص قرروا الهروب من الواقع إلى عالم خاص بهم مليء بالمخدرات والخمر والجنس والثرثرة الفارغة التي لا طائل منها، ويجتمعون مساء كل ليلة داخل إحدى العوامات التي ترسو في النيل، فنجد الموظف والمحامي والفنان والصحفي والأديب، أي أنه اختار وبعناية فائقة الشخصيات التي من المفروض أن يقوم عليها المجتمع وينهض، إلا أن العكس هو ما يحدث، فهؤلاء الأشخاص قرروا الهروب من كل شيءٍ حولهم إلى هذا العالم الموبوء، ليوضح إلى أي مدى استشرى الفساد في المجتمع على كل المستويات، ولعل من المشاهد المؤثرة في الفيلم عندما اصطحب رجب (أحمد رمزي) كل أعضاء العوامة في سيارته احتفالًا بعيد الهجرة بمنطقة سقارة، وفي طريق العودة صدموا فلاحة (زيزي فريد) فماتت، وهربوا جميعًا، متناسين ما حدث، ولعل الفلاحة هنا ترمز إلى مصر بلدهم الذين تناسوا واجباتهم تجاهها، واستمروا في اللامبالاة”.
أضاف “الليثي”: عرضت سمارة (ماجدة الخطيب) الصحفية على الجميع زيارة الجبهة وجنودها البواسل لعلهم يستيقظون مما هم فيه، فذهب معها أنيس (الفنان عماد حمدى) وشاهد الدمار الذي لحق بالسويس وباقي مدن القناة”، متابعًا: أذكر من ضمن مشاهد الدمار لقطات صورها الأستاذ عماد حمدى عند عمارة سكنية في بورتوفيق بالسويس كانت مملوكة لجدي والد والدتي المرحوم أمين الديدي، وكانت تعيش فيها أسرتي، وللأسف أطلق الإسرائيليون صاروخا على العمارة لأنه كان على سطحها نقطة مراقبة عسكرية، وانهارت العمارة، وكانت عائلتي من المهجّرين من السويس للقاهرة”.
استطرد: صوّر عماد حمدى لقطات وهو واقف أمام العمارات المنهارة صارخا: “فين الناس.. راحوا فين.. راحوا فين؟”، وفاق وندم على غيبوبته، وتذكر الفلاحة التى ماتت، وعندما عاد للعوامة، حاول ومعه سمارة أن يحث الجميع على إيقاظ ضمائرهم، وقال لهم: “الفلاحة ماتت، ولازم نسلم نفسنا”، ورقص الجميع وطردوا أنيس الذى خرج ومعه سمارة، وقام عم عبده (أحمد الجزيري) غفير العوامة بفك سلاسلها لتنطلق فى النيل بمن فيها، وهم لاهون دليلًا على ضياعهم، وانطلق أنيس بين الجموع يصيح فيهم “فوقوا فوقوا”، في إبراز وتوضيح شديد لرسالة الفيلم الأساسية.
أردف: هذه القصة التى كتبها أستاذ نجيب قبل نكسه ٦٧ وطورها والدي، رحمهما الله، لتعبر عن المجتمع المصري في هذه الفترة، تدل على أن السينما كانت بحق مرآة للمجتمع.
يذكر أن المونولوج الذي بدأ به الفيلم وغناه الفنان عماد حمدي كانت كلماته: “اللي يردموه يرجعوا تاني يفحتوه، واللي يسفلتوه يرجعوا تانى يهدوه، مرة عشان الكهرباء ومرة مواسير المياه، ومرة سلك التليفون، ومرة المجاري، وياما جاري في الدنيا، ياما جاري، طب ما كانوا فحتوا مرة واحدة مش بيقولوا في لجنة تخطيط يمكن الواحد غلطان ولجنة التخطيط هي اللى صح.. آه أدام بيجتمعوا كتير وبيخططوا كتير يبقى لازم يفحتوا كتير!! ماله التقرير؟ أنا مسطول.. ما كل التقارير بتكتب كده.. يكونش المدير العام هو اللي مسطول، أما الأدوية موجودة والسراير موجودة، نكتب تقارير ليه؟ مش بيقولوا فى أدوية، طب هي فين؟؟ في الأجزاخانات.. خلاص بدل ما نكتب تقارير نسأل في الأجزاخانات هي الحكومة ماورهاش إلا التقارير، كل واحد يخاف من مسؤولية يكتب تقرير، طب حانعمل إيه بالتقارير دي كلها، لازم في حكمة في كده..آه.. الحكمة بقا إن مادام بنكتب تقارير يبقى حانحتاج ورق تقوم مصانع الورق تشتغل ولما تكتر التقارير نضطر نحرقها تقوم مصانع الكبريت تشتغل ولما نيجي نحرق التقارير الكبريت حايولع في هدومنا، تقوم مصانع القماش تشتغل قصدهم يحصل يعني اكتفاء ذاتى.. يا سلام..”.