صدرت عن دار “نور” الألمانية للنشر والتوزيع، دراسة أكاديمية جديدة؛ للباحث والأكاديمي المصري مراد صالح، بعنوان “الهيكل في المشنا.. دراسة تحليلية لأهميته وأثره في الفكر الصهيوني”.
الدراسة ترصد تأثير مفهوم ما يسمى بـ”الهيكل” في التشريعات اليهودية، على تنامي الأفكار الصهيونية، وتجلياتها في الوقت الحالي، ويستعرض الكتاب مفهوم الهيكل، وأهميته في التشريع اليهودي بمصدريه، وفي مراحل الديانة سواء كانت المرحلة التوراتية أم المشنويّة، وعلاقة ذلك بأهميّة مكان العبادة في الشرق الأدنى القديم.
يقدّم الكتاب- الذي يقع في 212 صفحة من القطع المتوسط- معلومات وافية حول أهميّة الهيكل في العصر الحديث، وعلاقته بالحركة الصهيونية العالمية؛ إذ يحاول الباحث تسليط الضوء على ما تعرّضت له الصهيونية من مفهوم الهيكل حديثًا وما استعملته لخدمة أهدافها لاحقا. ويفند “صالح” مدى صحة تلك المفاهيم؛ حيث تتوزع هذه الدراسة الأكاديمية على 3 أبواب؛ مقسمة إلى 8 فصول. ويمثل الكتاب إضافة قيمة للمكتبة المصرية والعربية؛ لاسيما فيما يتعلّق بالدراسات اليهوديّة وانعكاساتها على الصراعات القائمة بالشرق الأوسط.
يبحث الباب الأول من الكتاب “قيمة الهيكل داخل التشريع اليهودية”، وينقسم إلى 3 فصول؛ يتحدث فيها عن مكانة قسم المقدسات بين أقسام المَشنا -مصدر التشريع الثاني اليهودي- من خلال عرض مباحثه وما يتضمّنه من تشريعات، علاوة على إبراز “خيمة الاجتماع” وعلاقتها بالهيكل، وكذلك التفاصيل المعماريّة للهيكل الأول المعروف بـ”هيكل سليمان”، والهيكل الثاني المنعوت بـ”هيكل زروبابل”، وأبرز الاختلافات بينهما.
ويتعرض صالح- الحاصل على الماجستير من جامعة القاهرة في الدراسات اليهودية- إلى توسعات هيرودوتس في العصر اليوناني، وكذلك قيمة الهيكل من خلال الوظائف الدينية له داخل النصوص المقدسة، وما يرتبط بها من مظاهر دينية أو اجتماعية. ويناقش الكتاب كذلك آداب الهيكل، ومظاهر العبادة والخدمة داخله، كما يعرض مختصرا لأبرز ما تناولته أقسام المشنا من حديث عن الهيكل، وموقف الفرق الدينية من هذا الهيكل.
أمّا الباب الثاني فيتطرق على مدى فصلين متتاليين لمفهوم الهيكل وأهميته الدينية والسياسية؛ والعوامل الداعمة لهذه الأهمية؛ كما يتناول الأحداث الدينية والتاريخية التي أسست الأهمية الدينية للهيكل، بجانب أنه يناقش الأبعاد الدينية والسياسية التي أسهمت في بلورة ذلك المفهوم وجعله أساسًا للديانة ومثلاً قائمًا يُحتذى به.
بينما يستعرض الباب الثالث تاريخ الحركة الصهيونية منذ القدم، وعلاقتها بالحركات المعاصرة من جهة، والتيّارات الصهيونية الأخرى من جهة ثانية. ويسلط كذلك الضوء على الادعاءات الدينية والمزاعم التاريخية التي اختلقتها الحركة الصهيونية ومؤرخوها؛ إذ يرد الباحث على هذه الادعاءات، موردا حجج تفنيدها في ثلاثة فصول. كما يقدم صالح عرضًا للحركة الصهيونية وعلاقتها بعقائد التراث الديني اليهودي، ويتحدث عن تياراتها؛ لاسيما التيّار الديني ووسائله في إعادة بناء الهيكل.
ويصل الباحث في نهاية الكتاب إلى نتيجة مفادها أن الزعم بأن الهيكل (المعبد) هو ذاته المسجد الأقصى أو قريب منه، أكذوبة كبرى، حاكتها المزاعم الصهيونية، لخدمة أغراض سياسية، وانتهت بالفكر الصهيوني الذي أحيا الزعم بأن الهيكل هو المسجد، رغم مرور 25 قرنا من هدم هيكل سليمان عام 586 قبل الميلاد. ويؤكد صالح أن مكان العبادة ظل الشغل الشاغل لليهود، وتلقفته الأفكار الصهيونية ما نتج عنه الصراع القائم حاليا بالأراضي الفلسطينية المحتلة.