لا شك أن هناك تحديات كبيرة تواجه الإعلاميين العرب، والمصريين بشكل خاص، وكلها تتعلق بالمهنة، والمخاطر التي يعاني منها الإعلامي وكيف يمكنه التصدي لهذه المخاطر والتعامل معها، بالإضافة إلى مشاكل التي يعاني الإعلامي منها مثل قلة الدخل وقلة التدريب وغيرها من الأمور التي تجعل هموم الإعلامي تزداد يوما بعد يوم.
إلا أن هذه التحديات لا تقلل من أهمية التعلم، وأن يعرف الإعلامي المزيد عن مهنته، وعن دوره تجاه كلمته التي يكتبها أو يذيعها، ورؤيته المستقبلية للأحداث العامة سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، وكيف يبني هذه الرؤية ويتعرف عليها.
وقد أسعدني الحظ بحضور ورشة عمل نظمها المنتدى الاستراتيجي العربي بدبي بعنوان “الاستشراف الجيوسياسي والاقتصادي المتخصص للإعلاميين العرب”، بمشاركة 26 إعلاميا عربيا من 8 دول عربية هم: مصر، الإمارات، الجزائر، تونس، الكويت، البحرين، الأردن، السعودية.
وهي الورشة الأولى من نوعها ويحسب للمنتدى الاستراتيجي العربي تنظيمه لها، كما جاء اختيار الدكتور محمد شومان أستاذ الإعلام ودراسات المستقبل وعميد كلية الإعلام بالجامعة البريطانية بالقاهرة اختيارا موفقا لإدارة هذه الورشة وتقديم المادة العلمية لها، حيث أثار العديد من القضايا الهامة التي تتعلق بالاستشراف وحث المشاركين على ضرورة الخوض في هذا المجال لأهميته، خاصة أننا لدينا العديد من القضايا الإعلامية التي تحتاج منا إلى تطبيق نظريات الاستشراف عليها مثل الصراع الدائر بين الصحافة الورقية والالكترونية على سبيل المثال وليس الحصر.
أعجبني أيضا ما ذكره عبد الله بن طوق نائب رئيس المنتدى والذي ترقي بعد الورشة مباشرة ليكون أمين عام لمجلس الوزراء، وقلت لصديقي محمد عبد الظاهر رئيس تحرير المنتدى، “أظن أننا وشنا حلو عليه”.
أكد طوق أننا يجب ألا نعتمد على علماء وخبراء أجانب في استشراف قضايا ومشاكل العالم العربي، لأنهم ليسوا على دراية كاملة بالمجتمع العربي من الجوانب الثقافية والتاريخية والجغرافية ولا يفهمون طبيعة السلوك والتركيبة السكانية داخل المجتمعات العربية مثل الباحثين العرب أنفسهم.
والهدف من الورشة كما عرضت له سهى العليلي مدير المنتدى الاستراتيجي العربي هو تطوير مهارات عدد من كتاب الرأي بالمنطقة العربية في مجال الاستشراف، ولكي يقوم هؤلاء الكتاب فيما بعد بممارسة الاستشراف من خلال مقالاتهم ودراساتهم الإعلامية والسياسية، ولخلق نموذجا ناجحا ومميزا من المنتدى الاستراتيجي العربي كمنصة تجتمع فيها كافة الآراء والأفكار، والاستشرافات والرؤى التي تُصمم وترسم مستقبلا أفضل لعالمنا العربي، وتصبح دليلا أمام صُناع القرار.
ومن أهم ما ذكر أستاذنا الدكتور محمد شومان أننا يجب عندما نقوم بالاستشراف أن نبعد كل البعد عن الإيديولوجيات، وتحليل الواقع بحيادية مما قد يسبب أحيانا بعض الحساسية لبعض الحكومات العربية.
ولا أعرف كيف سنقوم بالاستشراف إذن، فإذا بعدنا عن الايديولوجيات، فسوف نغضب الحكومات، وإذا عملنا حساب الحكومات سنغضب الايديولوجيات؟ والمشكلة أنه على الإعلامي دائما أن يسير على الحبال حتى يحافظ على مهنيته وحياده تجاه تصديه للقضايا، وهو ما أصبح عبئا ثقيلا في المرحلة الراهنة بشكل خاص.
إلا أن الموضوع يستحق أن نبذل له الجهد وأن نخوض مجال الاستشراف ونمارسه، وأن يتم إنشاء مراكز أبحاث وطنية عربية متخصصة، ودعم تدريس مواد الاستشراف في كليات الإعلام العربي، وخلق ثقافة الاستشراف لدى الجيل الجديد من الطلاب وشباب الجامعات، وهو ما أوصى به د. شومان.
لا شك أن المنتدى الاستراتيجي العربي أتاح فرصة هائلة للتدريب والتعلم أتاحت للإعلاميين والصحفيين التعرف على الطرق المُثلي في وضع مبادرات واستراتيجيات مستقبلية، انطلاقا من الوضع الجيوسياسي والاقتصادي الحالي في الوطن العربي، وكذلك إتاحة إمكانية كتابة تقارير اعلامية تستشرف بعض مشكلات الواقع العربي والعالمي، إضافة إلى دراسة مهارات العصف الذهني والنقاشات الحوارية في استشراف المستقبل.