محمد أبو مندور يكتب: المنافسة في ظل العولمة

في ظل التغيرات والتقلبات الجارية على كافة المستويات السياسية والاقتصادية، وفي إطار إعمال العقل في العمل على تحسين أحوالنا، كان لزاماً أن نرنوا إلى أن نتابع ما آل إليه وضعنا الاقتصادي وسط تلك التغيرات عبر وسائل وتقارير ترصد وتقيس وتمنح درجات لكل اقتصاد العالم. لكن هل كل ما يصدر من تلك النوعية من التقارير يعتبر مقياساً حقيقياً؟ هل هو بعيد عن الهوى؟ تلك أيضاً أسئلة يجب أن توضع في الحسبان عن مدى مصداقية الجهة المصدرة لتلك التقارير.

وبعد استعراض وبحث لجأنا لتقرير يحظى باحترام ومصداقية واسعي النطاق وهو التقرير الصادر عن المنتدى العالمي للاقتصاد، والذي يصدر سنوياً تحت عنوان “تقرير التنافسية العالمية” ونتناول هنا إصداره لعام 2017-2018.

يبدأ التقرير بمقدمة معبرة عن اقتصاد العالم والذي يمر بظروف متباينة عبر عنها رئيس المنتدى بنبرة متفائلة عن بداية مظاهر تعافي تلوح في افق الاقتصاد العالمي بالرغم من الشعور بالقلق الذي يساور السياسيون وكبار رجال الأعمال بخصوص النمو المرجو للاقتصاد العالمي، حيث تعاني الحكومات والكيانات الاقتصادية وحتى على مستوى الأفراد من مستويات مرتفعة من عدم اليقين أو الاستقرار، مرجعاً ذلك إلى القوى الجيوسياسية والتطور التقني وهما الأمران اللذان يعيدان تشكيل النظام الاقتصادي والسياسي الذي قاد العلاقات الدولية والسياسات الاقتصادية لخمس وعشرون عاماً مضت.

تقرير التنافسية العالمية يقوم بتقييم اقتصادات الدول وليس الدول بحد ذاتها، وفي هذا العام شمل التقرير 137 دولة، ويكون التقييم مبني على مدى مستوى المؤسسات والسياسات التي تحدد مستوى إنتاجية ذلك الاقتصاد، وقد تستغرب بأنه طبقاً للتقرير يأتي اقتصاد سويسرا على رأس اقتصادات العالم، يليه الاقتصاد الأمريكي والذي تحرك درجة واحدة للأمام بالمقارنة بالعام الماضي يليه الاقتصاد السينغافوري. وبإمعان النظر نجد ان اقتصاد مصر يحتل المركز ال 100 بين الاقتصادات ال 137 محرزاً تقدماً مقداره 15 درجة في عام واحد وهو أمر محمود، كما يشير التقرير من خلال المؤشر.

دعك من الترتيب العام المطروح من خلال المؤشر فهو لا يعني الكثير بالنسبة للداخل، لكن دعنا نتأمل، مما يتكون ذلك المؤشر، نجد أن المؤشر العام مبني على إثني عشر عامل مختلف مجموعة في ثلاث مؤشرات رئيسية، وهي المؤشر الأساسي والخاص بالمؤسسات والبنية التحتية والبيئة الاقتصادية والصحة والتعليم الأساسي، والمؤشر الخاص بمحسنات الفعالية والذي يتضمن عوامل التعليم العالي والتدريب، فعالية سوق البضائع، فعالية سوق العمالة، تطور سوق المال، الاستعداد التقني، وحجم السوق، إضافة إلى مؤشر الإبداع والخاص بإمكانيات الإبداع ومدى قوة وعمق الأعمال المنفذة في هذا الاقتصاد.

ونعود إلى الاقتصاد المصري نجد أنه قد أحرز 3.9 درجة على المؤشر العام من أصل 7 درجات وهي درجة ليست بمنتهى السوء أو الجودة بالمقارنة مع أول الترتيب وهو اقتصاد سويسرا الذي أحرز 5.86 نقطة. وبالتدقيق أيضاً وبالمقارنة مع دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا نجد أن الاقتصاد المصري قريب جداً من أحوال اقتصادات تلك المنطقة وإن كان يتفوق في بعض النقاط كحجم السوق وفعالية سوق المال، مع انخفاض في مستوى بيئة الاقتصاد الكلي بالمقارنة بالدول المحيطة. وهو أمر مثير للدهشة حيث أن الاقتصاد المصري ما زال يعاني بالرغم من وجود سوق بهذا الحجم، وفعالية سوق مال مرتفعة نسبياً.

يشير المؤشر أيضاً إلى العوامل التي تمثل مشاكل تمنع تنفيذ الأعمال واضعاً في مقدمتها عدم استقرار السياسات، التضخم، انتشار الفساد وغيرها من العوامل، والتي ينبغي أن نعمل بشكل مكثف على الحد من وجودها لمنع هروب المستثمرين.

وكمحصلة لما استعرضناه في هذه الجولة في هذا التقرير، وطبقاً لمايكل بورتر عالم الإدارة والتسويق فإنه ينبغي عليك أن تكون أن تكون أكثر إنتاجية، أكثر فعالية، وأسرع تنفيذاً لكي تبقى في عداد المتنافسين في السوق وإلا فأنك ستخرج بخفي حنين.