هالة منير بدير
تحل اليوم ذكرى ميلاد أيقونة السينما الواقعية، وأحد موثقي الجانب الاجتماعي والسياسي المصري؛ إنه المخرج الكبير الراحل محمد خان، الشاب الذي وُلِد لأب باكستاني وأم مصرية والذي ظل طيلة حياته يحلم بالحصول على الجنسية المصرية. كان مصرياً حتى النخاع، وكانت له بصمته في تجسيد انهزامية الفارس المصري وغربته داخل وطنه؛ مخرج اعتمد على مصريته الصميمة ليخلق حالة مميزة وفريدة في الإخراج السينمائي المصري.
الشاب “المصري” الذي وُلِدَ في حارة “طه السيوفي” ما بين حي غَمرة والسكاكيني ذهب إلى لندن لدراسة الهندسة، ولكن عشقه للسينما جعله يعزف عن دراسة الهندسة ليهتم بالاطلاع على مختلف التيارات السينمائية في أوروبا، حتى كان ملهمه الأول المخرج الإيطالي مايكل أنجلو أنطونيوني صاحب فيلم “لافينتورا” أو المغامرة، والذي أخذ عنه أن الفيلم ليس بالضرورة أن يكون “حدوتة” بقدر ما يهز مشاعر المتفرج ويدفعه للتفكير؛ ذاك المخرج الذي جعله يتحول من مجرد شاب مراهق يعشق السينما من خلال التمثيل إلى مهتم حقيقي بفكرة الإخراج، حتى أنه بعد حصوله على جائزة فيلمه الأول “ضربة شمس” لم يجد نفسه في أفلام الأكشن، حتى اتخذ منحى آخر من الإخراج السينمائي، بداية من فيلم “طائر على الطريق” ثم فيلم “الرغبة” وهكذا.
سينما خان كانت سينما شخصيات أكثر منها سينما القصة، شخصيات تلمس الأحاسيس والمشاعر من خلال اعتماده على إحساسه الخاص، ووعيه بعمق الفكرة، وقد سخر كل تجاربه وخبراته من أجل توظيف قدرات الممثلين، فنجد الفنانة ياسمين رئيس تحصل على جائزة أحسن ممثلة عن فيلم “فتاة المصنع” وهي البطولة الأولى لها؛ كما برع في اختيار وإعداد مواقع التصوير، فبنظرة خاطفة على مواقع تصوير فيلم “خرج ولم يعد” تجد أنك أمام شخصية عاشقة للقرية المصرية، فمشاهد أشجار الموز الكثيفة والأراضي الزراعية مترامية الأطراف ومظاهر “العيشة الفلاحي” تجعل هذا الفيلم من أروع الأفلام التي تعبر عن البيئة المصرية الأصيلة، كما أن أصوات أنفاس عادل إمام “فارس بكر” التي تتعالى في نهاية فيلم “الحريف” احتفالا بالنصر وبقطع وعد بالإقلاع عن اللهو من أجل الاستقرار الأسري، تقنعك فعلا بعبارة “زمن اللعب راح”.
السينما كانت كل حياته، حتى أنه تخيل إذا ما وصل بعمره إلى مرحلة من الشيخوخة والعجز تمنعه من الحركة وإخراج الأفلام، أن كل ما سيفعله هو الاعتكاف على مشاهدة شرائط أفلام الفيديو التي تعج بها مكتبته السينمائية الضخمة واحدا تلو الآخر. كان يرى ضرورة غزارة الإنتاج السينمائي وإعطاء الفرصة للمواهب الصاعدة خصوصاً بعد ثورة يناير، التي يراها عظيمة ولكنها لم تكتمل بعد ومازال أمامها طريق تعشَّم ألَّا يكون طويلا من أجل تحقيق العدالة الاجتماعية، التي نادى إليها خان ومخرجو جيله في السينما المصرية.
بعد أربعة عقود من العطاء وتلقين خبرته للأجيال، رحلت عنَّا طاقة إبداعية كان أعظم تكريم لها حصولها على الجنسية المصرية. ومن أحد مظاهر عالمية ذلك المخرج الفنان في كتابة القصة والإخراج؛ امتلاك جامعة كاليفورنيا نسخة من فيلمه “أحلام هند وكاميليا”، لإنسانية موضوع الفيلم؛ فالمخرج محمد خان يصنع فيلمه للمتفرج المصري والعربي، ولكن روعة فكرة الفيلم هي التي تجذب الجمهور الأجنبي. لم يبخل بتلقين خبراته لمتابعيه ولمحبي فن الإخراج من خلال جمع مقالاته التي كتبها في بداية التسعينات في كتابه الصادر سنة 2015 عن دار “كتب خان للنشر والتوزيع”، والذي ضم ما يقرب من ستمائة صفحة والذي حمل عنوان “مخرج على الطريق”.