عبد الفتاح خالد سالم يكتب: باسم شرف.. الوحيد الذي يؤنسني

“الوحيدون طيّبون بالفطرة.. الوحيدون وحدهم يدركون الليل.. يبكون أمام العابرين في طرقات عربة المترو دون خجل.. يبحثون عن ابتسامة مفاجئة.. يكتبون عنها قصيدة.. يبحثون في أرقام هواتفهم الجوالة عن أشخاص يحكون لهم عن أبطال فيلم يحبّونه.. ولا يجدون.. في هذا الكتاب يرسل الكاتب رسائل عدة لسلمى، يحدثها عن الوطن والأمل، يحدثها عن الوحدة والحب.. يحدثها عن الكثير من الأشياء الرائعة.. والأشياء الحزينة”.

هذا ما كتبه باسم شرف في روايته التي صدرت في 2015 بعنوان “يا سلمى أنا الآن وحيد”، بعدها طل علينا باسم شرف من شرفة دار دون للنشر برواية “جرسون” 2017، في حقيقة الأمر ظننت أنه من اسم هذه الرواية سيودع “شرف” الوحدة التي أقر بها واعترف في رواية “يا سلمى” من خلال اسم الرواية فجرسون تدل على وجود زبائن وحوارات وأحاديث ربما تقوده لترك وحدته.

لكن هيهات لما كنت أفكر فيه، فكانت الصدمة التي جعلت رأسي يرتطم بعرض الحائط هي أن باسم شرف ما زال وحيدا فى هذه الرواية رغم كثرة الأحاديث التي دارت بينه وبين شخصيات الرواية، فكان يعيش وحيدا لا أخ ولا صديق، وكان يعيش في حي الزمالك المرموق.

عاش بطل هذه الرواية وحيدا منذ صغره، لم يك له أصدقاء يشتبك معهم ولا إخوة، لكنه ظل وحيدا طوال حياته، إلى أن جاءت السيدة الأربعينية الأجنبية، وهنا اشتبك الحوار بينها وبين ذلك الشاب الوحيد، الذي ظل يبحث عن شخص يشاركه الليل وأحاديث الليل والسير في الشارع، حين تختلط الأحاديث، وتختلط المشاعر، فتحب أشياء لم تكن تحبها من قبل، ثم تشرق الشمس فتجد نفسك كارها لها، “الليل يحمل أسرارا لا تخرج إلا به.. الليل يكشف الجانب الطيب بداخلنا.. المشاعر ترتبك في الليل.. والبكاء يجد نفسه حاضرا بشدة كصديق ملائم لوحدتك”.

رفض شرف أن يكون الغريب الذي يعبر الطريق دون ترك الأثر، لكنه وقع في الفخ فكان عابرا طوال الوقت، ظل وحيدا وتمنى حينها أن يكون فاسدا ليتخلص من تلك الوحدة التي تسجنه أينما حل “تمنيت أن أكون فاسدًا حتى لا أكون وحيدًا هكذا”.

“طوبي للغرباء الذين يعلمون موسيقاهم الأخيرة ويرقصون دون اعتناء للمكان والزمان”

كانت هذه الجملة هي جملة الألم الذي ظلت حتى الآن تفترس رأسي كلما قرأتها، وكلما انصرف الذهن إليها، ماذا لو أننا لم نهتم بما يدور حولنا من أحاديث لمن يرون أننا نفعل أشياء لا يرتضيها الغير، ماذا لو أننا رقصنا حين تشدو الموسيقى في أرواحنا ولا نهتم لهم، أننتظر أن نكون على فراش الموت، لنفعل ما يحلو لنا وما نشتاق لفعله؟!

الوحدة هي خير صديق في ذلك العالم السيء، الشركاء دائما في خلاف ربما ينتهي إلى حد القطيعة، لكنك حين تختلف مع ذاتك تضمك وحدتك الطيبة، فتحتويك دون خسائر، وإن كانت موجودة فهي طفيفة ما دمت لا تخسر نفسك، هكذا الوحدة، حقا الوحيدون طيبون بالفطرة، وهم خير خلق الله على الأرض، حين تجدوهم فاستمسكوا بهم ولا تتركوهم، فهم الذين لا يسعون إلى ترك الأذى على الغير، يمرون مرور الكرام على الأرواح، يتركون لك وردة تنبت في ذاتك وتُشكل لك بستانا طيبا يعمه السلام، مع أجمل السلام النفسي الذي يسود حياتنا نحن الوحيدون.

في حقيقة الأمر، حين قرات “جرسون” تركت في ذاتي أشياء كثيرة بل ودعمتها، كجلوسي وحيدا دون انتظار شريك يقاسمني الليل كما أفعل، لا أنكر أنني أبحث عن ذلك الشريك، لا أنكر أنني أود أن ألقاه، لكنني الآن أقر لك أن الوحدة هي خير صديق، يا سلمى ما زال باسم شرف حتى الآن وحيدا.