أحمد رحيم
كان لافتًا الظهور الصادم لرئيس الوزراء القطري السابق حمد بن جاسم على التليفزيون الرسمي لبلاده، في برنامج اسمه “الحقيقة”، إذ ظل على مدى أكثر من ساعتين يبوح بأسرار دولته على مدى عقود، إما بصراحة وقحة أو بكذب فج.
بن جاسم، الذي يُنظر إليه على أنه واحد من واضعي خطط تفجير المنطقة حتى قبل ثورات الربيع العربي، ظل يُطلق رسائل ذات دلالات مهمة طوال ظهوره المريب بعد تواريه لسنوات.
المسؤول القطري السابق لم يُكذب التسجيلات الهاتفية المسربة بين الأمير السابق حمد بن خليفة والرئيس الليبي الراحل معمر القذافي، والتي حوت حوارا تآمريا واضحا على المملكة العربية السعودية والأسرة الحاكمة، لكنه وضعها في خانة “خطة” لمجاراة القذافي من أجل رد أموال قطرية لديه، وأن القطريين كانوا قد أبلغوا خادم الحرمين الشريفين الراحل الملك عبد الله بها، ثم عاد وافترض أنه إذا كان الأمير القطري السابق ورئيس وزرائه تآمرا على السعودية، فهما الآن ليسا في موقع المسؤولية، وهناك أمير جديد يمد يديه للمملكة. وهو أيضا لم يُكذب تسجيلاته مع الإرهابي البحريني علي سليمان والتي تآمر فيها على البحرين، لكنه أيضا قال إن المسؤولين في البحرين كانوا على دراية بها.
حمد بن جاسم أظهر دور بلاده في الخليج كما لو أن قطر تسعى لإنقاذ دول الخليج من خصومها وأعدائها عبر التحالف في الخفاء مع هؤلاء الأعداء لكشف خططهم وتجنيب دول الخليج مكائدهم، وهو تفسير ربما يصح في حال توتر العلاقة بين أصدقاء أو أحبة، لكن لا يمكن أن ينطلي على زعامات وأجهزة استخبارات تدير دول.
بن جاسم لم يتحدث طوال الساعتين بصدق، إلا حين سُئل عن العلاقات القطرية الإسرائيلية وقاعدة “العديد” الأمريكية في بلاده، لكن صراحته كانت “وقحة”، وتثير التساؤل عن مدى الاحتقار الذي يكنه حكام قطر لشعبها، حتى يظهروا على شاشات التلفزيون ليخبروا مواطنيهم أن بلدهم وقادتهم المغاوير قرروا إقامة علاقات مع إسرائيل “تزلفا وممالقة” للولايات المتحدة، وأن القواعد العسكرية الأمريكية في قطر تُمارس أنشطة “عسكرية وتجسسية” في المنطقة، لا يعلم حكام قطر عنها شيئا.
هكذا بكل وقاحة وبساطة يقول حاكم قطر الفعلي حتى وقت قريب أن العلاقات مع إسرائيل ما هي إلا نفاق للولايات المتحدة، التي وافقنا على إقامة قاعدة عسكرية لها في قطر لتوطيد العلاقات، وأن أنشطتها العسكرية وحتى التجسسية لا نعلم عنها. الشيء الوحيد الإيجابي في تلك العبارات أن بن جاسم أبلغ القطريين بحقيقة بلدهم وهي أنها “دولة لا تملك من أمرها شيئا”.
الرجل الذي سعى على مدى ساعتين لنفاق أمريكا وإسرائيل واسترضاء السعودية واستمالة الكويت إلى صف بلاده، لم يُخف حقده الدفين تجاه مصر؛ فلما أتى الحديث عن مصر غلب كذبه الفج على صراحته الوقحة.
فالمسؤول الذي يعلن صراحة أن بلده تزلفت إلى أمريكا بالعلاقة مع إسرائيل، يقول إن نفس البلد تألمت لحصار غزة وطلبت من إسرائيل إرسال معونات لها، وتم الاتفاق على دخول المعونات للقطاع، لكن دولة عربية تشارك في حصار القطاع اعترضت، حتى لا يسبب لها التعاطف القطري حرجا كونها تشارك في حصار غزة، فأبلغت إسرائيل قطر بأنها لا يمكن أن تُغضب تلك الدولة الكبرى، ورفضت إدخال المعونات.
حمد بن جاسم الذي تنافق بلاده أمريكا بعلاقة مع إسرائيل يتعاطف مع غزة ويريد إرسال معونات لها لكن مصر تعترض خشية الحرج. هذا الطرح إن لم يكن “كذبا فجا” فهو “خبل”.
المسؤول القطري السابق يستغرب أيضا كيف يطلب الرباعي العربي قطع العلاقات بين قطر وحركة حماس، فيما دولة من الرباعي أعادت علاقاتها مع حماس؟، وأجيبه بأن لا غرابة في ذلك لأن قطر توظف علاقاتها مع حماس في تخريب القضية الفلسطينية والمنطقة؛ أما مصر فتسعى بتلك العلاقة إلى إعادة حماس لجادة الصواب، نُصرة للقضية الفلسطينية.
حتى المصالحة بين فتح وحماس التي أنجزتها مصر أخيرا ربما تثير غيرة بن جاسم وحقده، فزعم أن الدوحة هي من أنجزت صفقة الجندي الإسرائيلي غلعاد شاليط والأطراف طلبت ظهور مصر في المشهد الختامي إرضاء لها، وقطر لم تمانع؛ ونسي بن جاسم أن ضباط الاستخبارات العامة المصرية هم من رتبوا ونفذوا الصفقة، وزعم أن اتفاق المصالحة الأخير أنجز ابتداء في قطر وأن اتفاقا تم في الدوحة على إتمام الأمر في القاهرة، وقطر لم تمانع. ليس هكذا يكون السطو على إنجازات الآخرين، إذ يريد بن جاسم أن يقول إن بلاده تتدخل في ملفات إقليمية مهمة وتنجزها وفي الختام يأتي من يقول للدوحة نريد أن تكون الصدارة للقاهرة، فلا يمانع شيوخ قطر الطيبون! إن كان الأمر كذلك، فهل من شيخ طيب يُصدر قرارا بتسليم مصر إرهابيين يقيمون في بلده يخططون ويمولون هجمات إرهابية تحصد أرواح خيرة أبناء وشباب مصر؟.
وختاما، لـ بن جاسم: “إن لم تستح فقل ما شئت”.