خلال ساعتين من الزمن هي مدة المسرحية، يأخذنا خالد جلال في رائعته الجديدة “سلم نفسك”، في رحلة بانورامية لفلترة العقل المصري وتنقيته من الشوائب التي أصابته في الفترة الأخيرة، مؤكداً هو شباب ورشة مركز الإبداع من الدفعة الجديدة، أنه ما زال هناك بقية من أمل في بقاء هذا العنصر البشري النقي، الذي شوهته الظروف المحيطة سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً، حتى طفت على السطح فئات بعينها مثل الانتهازي والأناني والمتحرش والمستهلك والخائن والسلبي وبائع الضمير، في حين توارت من الصورة قيماً رائعةً، لم يعد لها مكاناً سوى خزائن ذكرياتنا، وتقلصت في صور أو رسائل أو كتب وأغاني قديمة أو حتى في بعض المشاهد من سينما الأبيض والأسود.
وخلال العرض يأخذنا المخرج المتمكن من كافة أدواته صعوداً وهبوطاً ما بين الضحك والدموع في استعراض رائع للكثير من الوجوه المبشرة، سواء في التمثيل أو الغناء أو الرقص أو الملابس مكملاً الصورة بالمؤثرات البصرية والصوتية المبهرة والحركة المدروسة بعناية، ليكشف لنا عورات أصابت مجتمعنا وفككته، مستخدماً تيمات عالية السخونة من الكوميديا السوداء والتراجيديا، في مشاهد متتالية يفصل بينها سواد بالغ من انعدام الضوء لالتقاط الأنفاس والعودة من جديد لمتابعة العرض.
أتوقف أمام عدد من اللوحات بالغة التأثير منها لوحة تسليع المرأة ونظرة الرجال لها، ومشهد التحرش الذي أبكى الجميع على ما وصلنا إليه في براعة يحسد عليها، بلوحة فاضحة تضعك أمام نفسك “كرجل” للحظات لتقول بكل بساطة.. شايف؟، ولوحات أخرى مثل الوصية، وحادث السير ولوحة المقارنة بين العلاقات العاطفية قديماً وحديثاً كلها لوحات محبوكة لا يمكن فصلها من السياق العام، الذي يدعونا “لتسليم أنفسنا” بعد كل هذا النواقص التي أصابتنا جميعاً والعديد من السلبيات.
تحية من القلب لكل من شارك في هذا العمل الذي يقف بقوة جنباً إلى جنب بجوار رائعة مركز الإبداع “قهوة سادة” ويعيد إلى الأذهان تلك الحفاوة التي استقبلنا بها هذا العمل الكبير، وكيف أصبح أبطاله من نجوم الصف الأول في مصر.