نقلًا عن المصري اليوم
عندما أكتب اسم الباحث والمؤرخ السينمائي الكبير محمد عبدالفتاح قد تتساءلون من هو؟، وعندما أكتب لكم اسم الناقد والكاتب الكبير اللاذع محمد الرفاعي قد تعتقدون أنه الشاعر الغنائي الشاب محمد الرفاعي.
في الحقيقة أن ما قدمه الأستاذان رفاعي وعبد الفتاح لا يمكن أن يمحا من الذاكرة، ولكننا في عصر الصورة التي أزاحت جانبا الكلمات المكتوبة، كل منهما كان مخلصا لمهنته، كل منهما ظل حتى اللحظة الأخيرة لديه العطاء ولم يترك القلم، وأظن، ولست موقنا، أن كليهما كان يكتب أيضا على الورق وليس (الكيبورد)، في إعلان واضح عن تمسكهما بالمطبوع.
بينهما 24 ساعة فى الرحيل، ولا أظنهما قد التقيا إلا لماما. الأستاذ محمد عبدالفتاح فى العام الأخير بدأ رحلة الانسحاب وعاد إلى الإسكندرية بجوار مكتبته الثرية بأمهات المراجع السينمائية، وكأنه يُلقى عليها نظرة الوداع، كان الأستاذ عبدالفتاح بالنسبة لى شخصيا وأيضا لكل من يعمل بهذه المهنة هو المرجع الأساسي والموثوق به في أي معلومة، ولا تملك سوى أن تحترم دقته عندما يقول مثلا سيبنى يومين وح أقولك، وقد تأتى الإجابة بعد ذلك أنه غير موقن بالإجابة الصحيحة.
الله عليك يا أستاذ عبد الفتاح لا تجد غضاضة أن تقول لست متأكدا. آخر عهده بالعمل العام كان المسؤول حتى الدورة الماضية عن النشر فى مهرجان القاهرة السينمائي، رشحته لكل من رئيسة المهرجان ماجدة واصف ومديره الفني يوسف شريف رزق الله بما لديه من خبرة واسعة تعود للثمانينيات، وكان كعادته دؤوبا مخلصا في إنجازه للعمل، وعندما وجد أنه غير قادر على مواصلة المشوار طلب إعفاءه هذه الدورة، سيظل محمد عبدالفتاح حاضرا بيننا من خلال الكتب المتعددة التي كتبها أو أشرف عليها، وبالنسبة لي لن أنسى أبدا هذا الوجه الطيب وتلك النبرة الدافئة، التي كانت تقول لنا جميعا إن الدنيا بخير، وبرحيله خسرنا الكثير من خير الدنيا.
لم تمض سوى ساعات حتى قرأت على المواقع خبر رحيل صديق عزيز، رغم أننا لم نكن نلتقى كثيرا إلا أننا مهما تباعدنا نشعر فى اللقاء وكأننا كنا معا قبل لحظات، إنه الكاتب الكبير محمد الرفاعي، كان رفاعي، كما كنا نناديه، يحتل في قلبي مساحة من الدفء، ضمتنا مؤسسة صحفية واحدة (روزاليوسف)، يشعرني رفاعي بأن الصحافة الفنية لا يزال فيها أمل، أقرأ دائما له كلمة صادقة لا يشوبها أدنى زيف أو انتظار مصلحة، كان يتعفف حتى عن المطالبة بحقوقه عندما تعثر تنفيذ مسلسل (مداح القمر) كتبه عن حياة بليغ حمدي، وعلى مدى أكثر من عشر سنوات وهو لم يرفع السماعة ليسأل، رغم تعدد المسؤولين في مدينة الإنتاج، الذين يتمنون أن يطلب منهم شيئا.
رفاعي من هؤلاء الذين يملكون روحا وبصمة خاصة في الكتابة تستحق من تلاميذه أن يتم جمعها وتبويبها لإصدارها في كتاب، فهي تجمع بين النقد الانطباعي والأكاديمي، كان متخصصا في القسط الوافر من متابعاته فى المسرح، إلا أنه في نهاية الثمانينيات، في الفترة التي تولى فيها الأستاذ الكبير لويس جريس رئاسة تحرير مجلة صباح الخير، كلفه أيضا بكتابة النقد السينمائي فكانت له إطلالة رائعة بقدر ما هي لاذعة، كنت حريصًا على أن أقرأ صفحته قبل أن أخلد للنوم حتى ينالني قسط من بهجة النفس، فقدنا في ساعات قامتين في التأريخ والنقد، وتجاهلهما الإعلام في الحياة والموت!!.