طاهر عبد الرحمن
ارتبط اسم اللورد “چيمس آرثر بلفور” على مدار قرن كامل بذلك الوعد المشئوم الذى قطعته بريطانيا العظمى على نفسها بإقامة وطن قومي لليهود على أرض فلسطين التاريخية، وكان هو الذى وقع على الرسالة/الوثيقة التي بعث بها إلى “ليونيل روتشيلد”،الذى كان بمثابة الأب الروحي لليهود في بريطانيا والعالم.
لكن الوقائع التاريخية (كما أكدته الوثائق البريطانية المنشورة عام 1998) تقول بأن الرجل – رغم صهيونته – دفع دفعا للتوقيع على تلك الوثيقة، وأن هناك رجلا كان هو “الروح الشريرة” وراء الكواليس التي خططت بالتعاون مع “روتشيلد”، لحث ودفع الحكومة البريطانية لإصدار ذلك الوعد.
اسمه “ليوبولد إيمرى”، يهودي كان يشغل منصب سكرتير عام مجلس الوزراء البريطاني، وكان هو الذى كتب مسودة الوعد وحصل على موافقة رئيس الوزراء ” لويد چورچ” وبعد مناقشات طويلة وافق عليها المجلس ووقعها “بلفور”.
“إيمرى” هو مهاجر من أصول شرق أوروبية استطاع بصبر ودأب أن يصل لمناصب عليا في الإدارة البريطانية، حتى أنه عين بعد وعد بلفور كمندوب سامى في فلسطين للإشراف على التنفيذ، ثم بعدها أصبح وزيرًا للمستعمرات.
إن الحكومات البريطانية المتعاقبة منذ زمن “بنيامين دزرائيلى” (أول وأخر يهودي يتولى رئاسة الوزارة فى بريطانيا) وحتى زمن “لويد چورچ”؛ كانت تؤيد وتسعى خصوصا بعد تجربة “محمد على” لإقامة عازل بشرى “طبيعي” بين مشرق العالم العربي وغربه، وذلك من منظور مصالحها الاستعمارية التوسعية، ثم أضيف إلى ذلك النفوذ الهائل لليهود وخاصة نفوذ أسرة ” روتشيلد” الأسطورى – في السيطرة على توجهات السياسة البريطانية، وتوجيهها نحو هدف توطين اليهود في فلسطين، وفوق ذلك فلقد تم بالإضافة للعامل الاستعماري استغلال تفسيرات المسيحية الكاثوليكية لنبوءات العهد القديم من الإنجيل والتي تتحدث عن عودة اليهود “لأرض أجدادهم” والتي طردوا منها!!
في ذلك الوقت كان “بلفور” رغم تعاطفه مع الأماني اليهودية قلقا على المصالح البريطانية في أرض العرب (خصوصا فلسطين)، وكان يرى أو يتمنى تأجيل ذلك التصريح حتى يتثنى ضمان ألا يحدث أي ضرر لوضع الإمبراطورية في الشرق الأدنى، وهنا كان دور رجل مثل “ليو إيمرى” وغيره في التأثير على صناع القرار في مجلس الوزراء، حتى تم لهم ما أرادوه ووقع وزير الخارجية البريطاني على الوثيقة، ويرتبط اسمه للأبد بوعد جائر وظالم، سلب أرضا من أهلها وشردهم في أربعة أنحاء العالم، وخلق وضعا مأساويا لا سبيل إلى حله!
وفى السياق ينبغي القول أن “ليو إيمرى” قام بزرع العداء والكره لكل ما هو عربي ف ابنه “چوليان”، الذى أصبح فيما بعد عضوا في مجلس اللوردات وتزعم حركة لمقاومة الانسحاب البريطاني من مستعمراتها في العالم العربي، وكان واحدا من الذين خططوا لاستنزاف الجيش المصري في اليمن عن طريق تجنيد مرتزقة بالأجر، وكان هو الذى رتب اجتماعا سريا في بيته بين الملك “حسين” و”موشى ديان” عام 1965، للتنسيق بين أعداء عبد الناصر وهزيمة جيشه في اليمن!
وإذا كان العرب والفلسطينيون يلعنون “بلفور” ليل نهار، فيتوجب عليهم أيضا لعن “ليو إيمرى” بالمرة!