طارق الشناوي عن إذاعة الأغاني: أشرب أزوزة أنا!

نقلًا عن المصري اليوم

ما الذى يحدث فى إذاعتى المفضلة (إذاعة الأغانى)؟.. عنوان تلك الإذاعة منذ بداية انطلاقها قبل نحو 17 عاما (كثير من الغناء قليل من الكلام) فصارت قبل بضعة أيام (كثير من الاستظراف، لا شىء يُذكر من المأسوف على شبابه الغناء)، هناك من أراد استغلال حالة الدولة التى لا يعنيها شىء فى الإعلام سوى الانضباط الشكلى للمذيع، أى أن لا أحد لديه رأى يتعارض مع السياسة المعلنة، وفى المرحلة التى نعيشها الآن صار هذا يكفى، المطلوب أن تثق الدولة أولا فى ميول المذيع السياسية، أما كفاءته الفنية فلم تعد تعنى لها الآن شيئا.

من الواضح، وعلى رأى أحمد عدوية، أن إذاعة الأغانى (جالها الدور اللى ماشى والدور مانيمهاشى)، حيث إنه- وإذ فجأتن- وجدنا كل مذيع أو مذيعة يُمسك الميكروفون وفى العادة يرفض أن ينزعه منه المذيع الآخر الذى ينتظر دوره متنمرا، لكى يُمارس هو أيضا نصيبه فى الرغى على حساب المستمع، الكل يتحدث باعتباره على الموجة مع الجمهور الغلبان والمغلوب على أمره، ولا أتصور أن هناك أحدا صار تعنيه أساسا أن يتوافق على الموجة مع الناس، بعد أن فقدت تلك الإذاعة شخصيتها وظلها وصارت مثل العديد من الموجات على الميمنة والميسرة، حيث يجرى المذيع حوارا مع جمهور المستمعين، والفارق أن مذيعى محطة الأغانى تفوقوا على الجميع فى ثقل الظل.

 

كل منهم يريد أن يقول نحن هنا، وأحيانا يشتبكون فى معركة كلامية، المهم أن يستحوذ المذيع على المساحة الأكبر، وأى كلام يا عبدالسلام.

 

مثلا قبل أن يقدم المذيع أغنية ليلى نظمى (ما اشربش الشاى أشرب أزوزة أنا) يقول إن المصريين، دون كل شعوب الأرض، مشهورون بالشرب، وإنهم يستيقظون من نومهم ليشربوا، وأثناء الأكل يشربوا، وفى القهوة يشربوا، وأثناء الشرب يشربوا، وحتى لا يذهب خيالكم بعيدا، هو لم يقصد سوى الشرب البرىء، إلا أن ما استوقفنى كيف أن الشرب يجعلنا نرفع هاماتنا بين كل الدنيا.

 

نحن إذن شعب شريب، ولهذا ظهر نوع معتبر من الشاى اسمه (الشريب)، هل رأيتم الشعب الأعجوبة الذى أكد هويته المصرية، نحن نشرب تخيلوا نحن نشرب، والله العظيم نشرب.

 

من الذى استطاع أن يضحك على هذه المحطة ويفقدها هويتها؟ كانت تضع أمامها فى البداية هدف الغناء المتخصص، أفهم أن المحطة تبحث عن كنوز الإذاعة الغنائية وتقدمها، وكذلك التسجيلات النادرة، وأن تضيف قبل إذاعة الأغنية اسم المقام الموسيقى، أو نبذة صغيرة عن كاتب أو ملحن أو الموزع الموسيقى للأغنية، ولكن أن يدخل المذيع مع المذيعة مباراة عقيمة كل منهما يروى تاريخ حياته، وكيف كان يغازل ابنة الجيران ويقذفها بأكواز الذرة، أى والله أكواز الذرة وقشر الفول السودانى.

 

لا أتصور رئيسة الإذاعة متابعة لتلك المذبحة التى يريدون من خلالها فقدان كل الأرض التى اكتسبوها، لدينا أهم وأغنى أرشيف إذاعى، حتى بعد أن سطت إسرائيل على عدد من كنوز الإذاعة النادرة فى الخمسينيات، ورغم ذلك فلايزال هناك فى الركن البعيد الهادى، الكثير من التسجيلات المجهولة التى لا نبذل أى جهد فى العثور عليها. البعض يريد أن يُجهض تجربة محطة الأغانى برمتها، ويطفئ حتى تلك الومضة الشحيحة التى تنعش القلب فى زمن بطبعه ضنين وعلى كل الأصعدة!!