جدَّدَ الحُكْم التاريخيّ الصادر بمنع برنامجه الحديثَ عنه ومعه، بعد أن كاد السجين السابق يسقُطُ من ذاكرة المجتمع المحترم؛ فَقَد قَضَت محكمة القضاء الإداري بحظر بثِّ البرنامج التلفزيوني الذي كان يقدمه هذا المذيع أو الباحث (كما يحلو له أن يُطلِق على نفسه) سواء على شاشات التلفزيون أو على الإنترنت، على خلفية الدعوى المقامة من مؤسسة الأزهر الشريف. ونص الحكم على أن «المذكور» استخدم برنامجه في الهجوم على الشريعة الإسلامية والتراث الإسلامي، والتطاول على علماء الدين الإسلامي ومنتجهم الفكري، وأنه تناول كتب السيرة والأحاديث النبوية بنقد غير موضوعي أو علمي، مستهدفًا التشويه والمساس بثوابت الدين الإسلامي، وهو منطوق الحكم كما نشرته وكالة أنباء الشرق الأوسط.
اقرأ رد لؤي الخطيب على مقال “أبو شامة” عن إسلام بحيري
وجاهَدَت وسائل إعلام تتخفَّى وراء الاستنارة، لتغلِّف بها نيَّتَها في الإثارة والاستثارة، وقلَبَتْ حقائق واضحةً في الحكم، مستغلَّةً بلاغة حيثياتِهِ التي أكدت على أنه رغم قرار منع البرنامج «المحظور»، فإنها ترفض مَنْع المذيع «المذكور» من الظهور الإعلامي من منطلق حِرْصِها على الحريات، وقالت إنها إذ تقضي بحظر نشر الحلقات، فإنها تنتصر لحرية الفكر والتعبير، «ذلك الفكر الذي يهب النفوس ولا يثير الفتن، والتعبير الذي يرتقي بالأفهام، ولا يعادي الناس فيما يُقدِّسونَه، ينقد الخطأَ ليُقِيمَ الصواب، لا يسبّ المخطئ، يعالج المشكلات التاريخية بالرأفة والعقل والتروي لا بالتقريع والتوبيخ والاستقطاب، يعالجها بالتنوير لا بالتعميم والازدراء، فإن لم تُعالَج الأمور وتُعرَض على عامة الناس بذلك كان الضرر أكثر من النفع، وأضحت ذريعة للمتطرفين في الجانب الآخر للتوتر والاضطراب».
وأكدت المحكمة، وفق صحيفة «الدستور» أنه «لا مساس بحرية الفكر والتعبير الذي تواترت عليه دساتير العالم المتحضر اليوم، مشددةً على أنه ليس من حق السلطات التدخُّلُ في وسائل الإعلام المقروءة أو المشاهدَة أو الرقمية، إلا في الحالات التي تمسُّ كيان المجتمع بأسره، وحسب كل حالة على حدة، وفقًا لظروفها وملابساتها وتأثيرها على سكينة المجتمع وأمنِهِ».
لا أدري كيف فَهِمَها صاحب الفكر «الشاذ»، ليُطِلَّ علينا ويزايد في الأمرِ، بل يؤكد أن الحكم في صالحه، وأن المحكمة سانَدَتْه وشجَّعَتْه، وأنه سيقدم ثلاثةَ برامجَ جديدة قائلاً لأحد «الفضائيين»: «هذا الحكم انتصار لشخصي، وانتصار لحرية الفكر، وانتصار للدستور».
وشجعه بعضهم ممن يستَمْلِحُون طَلَّتَه، ويستمتعون بوجوده وهجومه على المقامات الطاهرة من علماء الأمة، وكأنهم يدللون طفلًا شقيًّا ويصفقون له على تبُوُّلِه على نفسه وملابسه وعليهم، مهللينَ فرحين بهذه «الترترة» الفكرية التي تُلهِي وتشغل بمعاركَ هامشيةٍ عن قضايا مصيرية تنفق عليها رءوس أموال إعلامية، لأهداف دنيوية دنيئة ستجعلهم على ما فعلوا نادمين في «يوم الدين».
المدهش هو أن يتغافل الجميع فجأةً أن هذا الفتى قد حُكِم عليه حكمًا قضائيًّا نهائيًّا وباتًّا من محكمة النقض المصرية بالحبس لمدة عام لإدانته في قضية تتعلق بازدراء الدين الإسلامي، وقضى بالفعل جزءًا من عقوبته قبل أن يطاله عفو رئاسيّ تقليديٌّ، استغلَّهُ المذكور بشكل يحاسبه عليه القانون.. يكفي ما صرح به لـ«CNN» قائلاً: «إن العفو بمثابة اعتذار عن حُكْم ظالم صدر عن قانون معيب»، ثم يكمل بما يُوجِب أن يُخضِعَه لأطباء الأمراض العقلية، فيصِفُ من سجنوه بأنهم حوَّلُوه من شخصٍ مشهور إلى «أسطورة حقيقية»؛ ومرَّ هذا التصريح وغيره من تصريحات ماجنة وأحاديث مطعونة مرورَ الكرامِ على الفضائيين المصريين، الذين انتفضوا فقط يوم حبسه رافعين الدستور المصري على أسنة «ميكروفوناتهم»، مشهرين المادة 71 منه حيث نصت على أنه «لا تُوَقَّع عقوبة سالبة للحرية في الجرائم التي ارتكبت بطريق النشر أو العلانية»، وهو حق كان يراد به باطل وقصة استهدفت الأزهر من يومها الأول وحتى نهايتها التي لا يعلمها إلا الله.
لا يوجد منا أحد يتمنَّى أو يدعو أو يشجع على حبس صحفي أو إعلامي أو حتى باحث مدعٍ، ولا أوافق تحت أي ظرف على المصادَرَة، سواء بالمنع أو الإيقاف مهما كانت حُجَّتُها، لكن دعونا نخرج من هذه القصة الهزلية بنتيجة إيجابية وخطوات عملية نحو تفعيل دور مجتمعي للحماية، بإيجاد آلية عصرية مناسبة تغربل ما يصل إلى بيوتنا ويشكل عقول أبنائنا، ويوقف هذا الهراء الذي يهيمن على الفضائيات والمواقع الإلكترونية المصرية.