كاتب صحفي بحجم وقامة وبلاغة الأستاذ محمد مصطفى أبو شامة يجعلك مستمتعا بقراءة ما يكتب، فبلاغة الأسلوب ووضوح العبارة مدفوعان بتاريخ طويل من العمل الصحفي يضيفان متعة إلى المتعة.
نرشح لك –
محمد مصطفى أبو شامة يكتب: القضاء المصري يحظر الـ”رينبو” الفكري
وكتوضيحٍ قبل السطور الآتية: لم يحدث أن التقيت الباحث إسلام بحيري سوى مرة واحدة عابرة في عزاء، والعلاقة التي تجمعنا أني أحد المتحمسين لسماع أفكاره، إلى جانب “لايكات” متبادلة من حين لآخر على “فيس بوك”، ولكن السطور المقبلة انتصار لمبادئ عامة وليس لأشخاص.
الأستاذ أبو شامة كتب مقالا يعبر فيه عن سعادته بحظر حلقات الباحث إسلام بحيري (يمكنك قراءته من هنــــــا)، بل ويؤكد ويجزم بأنه محظور أيضًا من الظهور على الفضائيات استنادًا لحيثيات حكم القضاء الإداري، مسجونٌ خارج أسوار كاميرات مدينة الإنتاج الإعلامي، واتهم وسائل إعلام -وصفها بأنها تتستر خلف الاستنارة وتستهدف الإثارة- بقلب الحقائق لأنها تقول إن الحكم يشمل منع برنامج “مع إسلام” فقط “المتوقف فعليا منذ عامين”، وليس منع إسلام بحيري من الظهور على الشاشات.
المشكلة أن الحيثيات أوضح من ألّا تُفهم أو أن تُتهم وسائل الإعلام بسببها بالغرض والإثارة، إذ أنها تضمنت –وهي منشورة ومتاحة- أن المحكمة قضت برفض طلب منع ظهور إسلام البحيري على القنوات الفضائية، استناداً إلى حق المشاهد في انتقال الأفكار والمعلومات إليه واستقبال رسالة اتصالية تعددية، من خلال برامج متنوعة وإفساح المجال للتعبير عن الآراء وانتصارا لحرية الفكر والتعبير.
ما الذي يمكن أن تتضمنه الحيثيات أوضح من رفض الطلب؟ دعك من مداخلة إسلام بحيري في نفس اليوم مع الإعلامي الكبير عمرو أديب، وهو البرنامج الذي يُبث على قناة فضائية لديها من تستشيره في الجوانب القانونية، دعك من هذه الواقعة، واستقرأ الحيثيات عزيزي القارئ.
المشكلة هنا أن صحفيا بحجم الأستاذ أبو شامة كان يجب أن يكون أول المدافعين عن حرية إسلام بحيري في الظهور على الفضائيات وإن اختلف معه، هذه ليست دروشة، وإنما هو السؤال الذي يجب أن نسأله جميعا لأنفسنا: ما الذي يضيرنا من مجرد أفكار وإن اختلفنا معها إذا كانت لا تحرض على العنف والقتل والدم؟
ثم ما الذي يمكن أن يفيد من حظر ظهور إسلام أو غيره على الفضائيات المصرية، في عصرٍ لا يمكن بل ويستحيل فيه حجب المعلومة لأن القنوات المتاحة لتوصيلها أكثر من أن تُحصى أو تُمنع؟
محكمة القضاء الإداري ذكرت في حيثيات حكمها بوقف برنامج “مع إسلام” أن البرنامج حوى سبا وقذفا، ونحن جميعا –ومن المؤكد أن الأستاذ الكبير أبو شامة يتفق معي في ذلك- ضد الاعتداء اللفظي بأي شكلٍ من الأشكال وليس فقط ذلك الذي ارتكبه إسلام وكنت شخصيا من أوائل منتقديه.
إذن، واستنادا لذلك المبدأ، كان من المفاجئ بالنسبة لي أن يصف الأستاذ أبو شامة فكرًا –وإن اختلف معه- بالترترة، أو يشبه إنسانًا كامل الأهلية بالطفل الشقي الذي يُصفِّق له على تبُوُّلِه على نفسه وملابسه؛ فإلى جانب أن مثل هذه الكلمات قد تؤذي القارئ، وفضلا عن أنها كلمات لا يصح أن تصف فكرا، هي أيضًا لا تختلف شيئا عن الأسباب التي من أجلها حظرت محكمة القضاء الإداري برنامج “مع إسلام”، فما الفرق إذًا؟
الحقيقة المؤكدة أن الإرهابيين الذين قتلوا جنودنا في الواحات لم يُحرَضوا من قِبل إسلام بحيري ولا من قِبل أيٍ من الداعين لتجديد الفكر الديني، ومن يرون أن هناك مشكلة الفكر الإسلامي -وليس الدين نفسه- ومن أبرزهم الرئيس عبد الفتاح السيسي، وإنما يستند الإرهاب في كل مرة إلى ما أُلحق بالدين من أفكار كفّرت النقيب محمد الحايس ورفاقه فحللّت دماءهم في صحراء مصر؛ الأولى أن نبحث عن الحلول ونتوحد ضد هذا الفكر.
أخيرًا، بكل الود والحب والاحترام، أؤكد أن مناقشة الأستاذ أبو شامة شرف ومتعة.