طاهر عبد الرحمن
أثار الخبر الذي نشرته إحدى الصفحات الإسرائيلية على “فيس بوك”، عن حضور الدكتور طه حسين حفل افتتاح الجامعة العبرية الجدل واللغط بين تأكيد إسرائيلي ونفي مصري، لكن وللأسف فإن الواقعة المذكورة صحيحة تماما، فلقد تلقت الجامعة المصرية -جامعة الملك “فؤاد” كما كانت تسمى- دعوة رسمية لحضور ذلك الحفل وكان من المقرر أن يحضر أحمد لطفي السيد، رئيس الجامعة لولا مشاغل طارئة فأناب عنه طه حسين، عميد كلية الآداب ونائب رئيس الجامعة، والذي ألقى خطابا -باسم الجامعة المصرية- خلال الحفل، بل وخضع في مستشفى “هداسا” لكشف طبي على أمل أن يعيدوا له بصره. هذه الواقعة ذكرها الكاتب الصحفي الكبير محمد حسنين هيكل، في كتابه “العروش والجيوش.. أزمة العروش صدمة الجيوش”، بالتحديد في الصفحة 68 منه.
في ذلك الوقت لم تكن النخب السياسية والثقافية بمصر على وعي ودراية كاملة بخطورة المشروع الصهيوني في فلسطين، وظلت حتى وقت متأخر جدا -ربما 6 أشهر أو أقل من قيام الدولة العبرية- تنظر لما يجري على أنه “حركة تقدم أوروبي يستحق المتابعة وربما التشجيع!”.
نرشح لك: هل زار طه حسين إسرائيل؟!
ولم يقتصر الأمر على طه حسين، بل يذكر الأستاذ “هيكل” أنه في عام 1946 التقى الدكتور محمد حسين هيكل باشا، السياسي والأديب الكبير، ورئيس حزب الأحرار الدستوريين، خلال زيارته الممتدة لفلسطين وصحبه أثناء زياراته للجامعة العبرية ومستشفى هداسا، ومعهد التخنيون، بل وزار معه مستعمرة بتاح تكفا. وفي كل تلك الزيارات أبدى هيكل باشا إعجابه الشديد بما رآه من تقدم وهمة ونشاط لليهود!.
وإذا كانت لدى البعض حساسية تجاه ما يقوله أو يكتبه الأستاذ هيكل وما يرويه فإننا نحيله إلى ما كتبه بنفسه عن نفسه -صفحة 70 من نفس الكتاب- أنه تقابل مع “ديفيد بن جوريون” و”موشي شاريت” في حديقة القنصلية المصرية بحي الشيخ جراح عام 1946 بحضور الدكتور محمود فوزي، القنصل العام لمصر وقتها في القدس، وذلك لتقديم مذكرة سياسية لحكومة مصر!
إن مصر الرسمية -للأسف الشديد- لم تتعامل مع الخطر اليهودي والصهيوني ومخططه منذ زمن وعد بلفور (1917) وحتى قبيل إعلان الدولة اليهودية (1948) بالمستوى المطلوب، فلم يكن لذلك الوعد أي صدى في القاهرة التي كانت مشغولة بمقدمات ثورة 1919، وأكثر من ذلك فإن الحكومة المصرية قدمت لبريطانيا اعترافها بالانتداب على فلسطين، ذلك الانتداب الذي نص على قيامها بتحقيق وعد بلفور بإقامة وطن قومي لليهود!
وفي ذلك الوقت لم يكن من الإحراج أن يتقابل الملك “فؤاد” أو “سعد زغلول” مع “حاييم وايزمان” رئيس الوكالة اليهودية في القاهرة، أو أن يقترح الأمير محمد علي، ابن الخديوي توفيق، وشقيق الخديوي عباس حلمي، وولي عهد الملك فاروق، أن يقترح عام 1929 أن يبيع الفلسطينيون “حائط المبكى” إلى اليهود بمبلغ مئة ألف جنيه مصري، وبذلك يريحوا أنفسهم ويريحوا “إخوانهم” اليهود!
قبل ذلك بسنين قابل “تيودور هيرتزل” مؤسس الحركة الصهيونية، الخديوي عباس حلمي الثاني، وطلب منه تأجير سيناء لمدة 99 سنة لتكون خطوة نحو فلسطين، خصوصا مع تعنت السلطان العثماني ورفضه فتح باب الهجرة لليهود؛ والغريب أن الخديوي وافق والأغرب أن المعارضة كانت من اللورد كرومر المندوب السامي لأن ذلك يقلل من ماء النيل وبالتالي خفض مساحة الأراضي المطلوبة لزراعة القطن، كما قابل الزعيم مصطفى كامل الذي طلب منه الأخير مساعدته لدى بريطانيا لنيل استقلال مصر!
كل ذلك -للأسف مرة ثانية وثالثة ورابعة- حدث بالفعل ولا سبيل لإنكاره أو نفيه.